مع مرور قرابة شهر على انطلاقه، مثّل معرض "كنوز الإسلام في أفريقيا.. من تمبكتو إلى زنجبار" الذي يقام في "متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر" في الرباط، إحدى أكثر الفعاليات الثقافية جاذبية في الفترة الأخيرة حيث صدر منذ أيام تقرير عن "المؤسسة الوطنية للمتاحف" يشير إلى أن المعرض قد تخطّى عتبة المئة ألف زائر، وهو رقم قليلا ما تسجّله الفعاليات الثقافية ليس في المغرب وحده بل في العالم العربي عموماً، خصوصاً حين نتحدّث عما يتعلّق بالثقافة البصرية.
توجد أسباب كثيرة تفسّر جماهيرية المعرض الذي يتواصل حتى 25 كانون الثاني/ يناير من السنة المقبلة، بداية بكثافة محتواه حيث يقدّم مشهداً متكاملاً حول الثقافة الإسلامية قي أفريقيا ليس من خلال الفن وحده بل بالخصوص عبر المعمار الذي حضر من خلال صور فوتوغرافية كثيرة لجوامع ومقابر ومقار سيادة من قصور وثكنات، وعبر أشكال شعبية من التعبيرات الفنية كالغناء في الأعراس وفي التجمعات الصوفية، وغير ذلك من مخطوطات وأسلحة استعملت في حروب قديمة وأوان ومواد ديكورية كانت في قصور الملوك والقادة.
في المجموع، يقترح المعرض 300 قطعة تمسح قرابة ثلاثة عشر قرناً من تاريخ الإسلام في أفريقيا، يظهر بعضها عمق الروابط مع المنطقة العربية خصوصاً في التعليم واستلهام الخصائص المعمارية، إضافة لما وراء ذلك من تقاطعات عقائدية وثقافية بمعناها الأشمل.
وإلى جانب ذلك، من المؤكّد أن غياب الثقافة الأفريقية عن الفعاليات الثقافية في المغرب كان سبباً آخر من أسباب نجاح المعرض، فمقارنة بالروابط التاريخية والجغرافية بين المغرب والقارة الأفريقية يمكن اعتبار أن الثقافة الأفريقية من أقل الثقافات حضوراً، وهو أمر بدأ يجري الالتفات إليه فقط منذ سنوات قليلة لتبدأ التظاهرات الثقافية الخاصة بالثقافة الأفريقية وتمظهراتها بالتزايد، وذلك في مجالات عديدة مثل الموسيقى والفنون التشكيلية والمسرح، غير أن معرض "كنوز الإسلام في أفريقيا" يبدو مثل بحر تصبّ فيه جميع هذه الأنهار حيث يقدّم إضاءة أكثر اتساعاً وشمولية حتى وإن قارب الثقافة الأفريقية انطلاقاً من الإسلام.
يذكر أن المعرض كان قد نُظّم سنة 2017 في "معهد العالم العربي" في باريس، وقد عرف في فرنسا أيضاً إشعاعاً لافتاً لعلّ ذلك كان في حدّ ذاته دعاية جاهزة لنفس المعرض وهو يقام في المغرب.
ومن أبرز النقاط التي يمكن الوقوف عليها ضمن المعروضات هو حضور الخط العربي في كثير من الأعمال منها مخطوطات تدريس العلوم الدينية، ووثائق قديمة كانت تعتمد الخط العربي باعتباره معيار قيمة علمية وأخلاقية في عقود الزواج والمعاملات التجارية والمعاهدات بين القبائل. كما يحضر الخط العربي من خلال بعض اللوحات الحروفية من ذلك أعمال لـ عبدولاي كوناتيه، ويوسف ليمود، ورشيد قريشي، ربما حتى نتذكر أن جزءاً من العالم العربي هو جزء من الثقافة الأفريقية.