"كيف نقرأ نيتشه اليوم؟"، سؤال يطرحه كتاب "كلمات نيتشه الأساسية ضمن القراءة الهايدغرية" الصادر مؤخراً عن "منشورات ضفاف" و"منشورات الاختلاف" والذي قدّمته أمس مؤلفته فوزية ضيف الله في "دار المعلمين العليا" في تونس.
"اليوم" بالنسبة إلى ضيف الله هو "اليوم أبداً"؛ لأن هذا السؤال متعلّق بأثر فيلسوف قيل عنه "ولد قبل الأوان ويُقرأ بعد الأوان". فحين تعتمد على قراءة الفيلسوف الألماني مارتن هايدغر، تحاول أن تدرس الاستراتيجيات التي وضعها في هذه العملية، كما تحاول تفكيك هذه القراءة وخلفياتها، دون أن تنسى سؤالاً آخر: "من قال إن نيتشه يريد أن نفهمه أو يريد أن نفهم ما فهمناه؟ فقد تكون القراءة تعسّفاً".
في قراءته لنيتشه، استخرج هايدغر خمس كلمات متواترة سمّاها بـ "الكلمات الأساسية": إرادة الاقتدار - العود الأبدي - العدمية - الإنسان الأرقى - العمل. كانت هذه المقاربة بديلاً استخدمه هايدغر لغياب المفاهيم في أثر نيتشه؛ حيث أنه كان يفضّل الكتابة باعتماد الصور الشعرية والرمزية بنيّة قلب التقاليد الأفلاطونية. فنيتشه يكتب الشذرات كي يتحرّر من النسق، وكان يرى في المفهوم مجمّداً للفكرة.
على عكس ذلك، يأتي هايدغر من أرضية أخرى في الكتابة الفلسفية، وهنا تكمن، بحسب ضيف الله، أهمية وضع فيلسوفين عظيمين أحدهما في قراءة الآخر؛ إذ تكشف أن "هايدغر وجد ما هو نسقي في نيتشه، حين قرأ في إرادة الاقتدار بُنية أساسية للوجود".
هكذا، ألحق هايدغر نيشته بسؤال الوجود (السؤال المركزي في فلسفة صاحب "الكينونة والزمان")، وهو السؤال الذي انحرفت عنه الفلسفة إلى السؤال عن الموجود. وهنا تشير إلى "الخبث الهايدغاري في أن يكون حاضراً في عبقرية نيتشه وجرّه إلى ميدانه".
هذه القراءة أتاحت لهايدغر أن ينسّق ما هو غير منسّق، حيث أثبت أن "نيتشه كتب نسقياً رغم أنفه"؛ إذ يبدو أن الأفكار تتناسق تلقائياً كما تقول ضيف الله. تشير، هنا، إلى اعتماد هايدغر بالأساس على الأعمال التي نُشرت لنيتشه بعد رحيله، وهي أعمال أساسية، منها كتاب "إرادة الاقتدار" (تُرجم في العربية تحت عنوان "إرادة القوة") ولكن خطورة ذلك هو أن هذه الأعمال يمكن أن تكون حُرّفت من قبل أخته وزوجها.
تعرض أيضاً ضيف الله في محاضرتها قراءة في أسباب قراءة هايدغر لنيتشه، فإضافة إلى إعجابه الشديد بصاحب "المعرفة المرحة"، فإنه حاول تبرئة نفسه ونيتشه من التنظير للنازية.
تفتح ضيف الله قوساً على علاقة هايدغر الإشكالية بالنازية، حين تقول إن الأثر الهايدغري لا يبرهن على انتماء هايدغر للنازية رغم التزامه السياسي بها؛ أي لا وجود لعلاقة فلسفية بين هايدغر والنازية وإن انتسب لها. ومن خلال عمله حول نيتشه، حاول تبرئة نفسه قبل نيتشه.
اقرأ أيضاً: فوزية ضيف الله: تطعيم شجرة التأويلية