كثر هم اللاجئون الجدد والقدامى نسبياً الذين لم يتسنّ لهم الاطلاع على مضمون "كتيّب اللجوء" الذي نشر بالتعاون مع منظمة العمل الهولنديّة مع اللاجئين "في في إن" والمجموعة الإعلامية "هولندا حرة"، إلا أنه أثار جدالاً ونقاشاً بين من اطلع على "النصائح" التي وجّهها لاجئون قدامى (نسبياً أيضاً) إلى الوافدين واللاجئين الجدد في المملكة الهولندية.
والصفحات السبع التي تضمّنت "45 نصيحة" باللغتين العربية والهولندية، تراوحت ردود الفعل تجاهها بين متقبّل ورافض وممتعض، لا سيما أنها أرادت من اللاجئين أن يتصرفوا بطريقة ما، بلغة مباشرة أم غير مباشرة. كذلك، هي تأتي كمحاولة من جهات هولندية للانخراط في مسألة "الاندماج" وقضايا الهوية وتعدد الثقافات.
"وصلتَ أخيراً إلى هولندا، ولا تملك أي فكرة عن المجتمع ولست متأكداً من إمكانية البقاء؟ هولندا الحرة أجرت مقابلات مع عدد من اللاجئين الذين سبقوك، فقدّموا نصائح حول كيفية التعامل مع اللحظات الصعبة: تعلّم اللغة واعمل وكن سعيداً في هولندا". بهذا استُهلّ "كتيّب اللجوء". ويبدو أن اللاجئين الذين ساهموا في وضعه، جاؤوا من ثقافات وجنسيات مختلفة، وهم إما عراقيون أو سوريون أو أفارقة أو أفغان أو أوروبيون بلقان. البعض تقبّل الكتيّب بكليّته، لاعتقاده بأن تلك النصائح مهمة وضرورية، ويجب تقبّلها من دون تشنجات قومية أو دينية أو ثقافية، والانفتاح على "الأوطان الجديدة" التي سعوا جاهدين إلى بلوغها.
من حيث الشكل، يستخدم الكتيّب صيغة تلقينية تعليمية، وتظهر بعض النصائح حجم الهوّة بين عالمَين "أول" و"ثالث"، داعية إلى "الصبر" في سيرورة "التأقلم"، والتواصل مع أشخاص يدركون واقع الفجوة. ومن تلك النصائح "حاول أن ترى نفسك مثل طفل" معدوم الخبرة والتجربة في الحياة.
باسل، لاجئ فلسطيني خرج من سورية في عام 2013 ووصل حديثاً إلى هولندا. يرى المصوّر الفوتوغرافي الذي عمل في السابق مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف"، أن "ما خرج به الكتيّب هو حقيقة ما تريد الجهة التي طبعته أو أشرفت على صدوره، قوله. حتى لو كانت تلك المقاصد وردت وحررت استناداً إلى ما قاله الناصحون". وينتقد الغلاف الذي "يصوّر العلاقة المنمّطة بين أوروبا كبلاد حسنة وجميلة ومدهشة، وبين عالمنا الذي يصدّر لاجئين من دون أي ملامح ولا تفاصيل". هو عالمنا الممتلئ بالحروب والصراعات فقط، كأننا كنا نعيش على هامش الزمن والجغرافيا". يضيف أن "كل لاجئ كانت له حياة حافلة بالإنجازات والخيبات وتفاصيل الفرح والشقاء. كانت الحياة تمرّ من حيث أتى اللاجئون أيضاً. لم يكن الزمن متوقفاً، حتى عندما اندلعت الحروب والمجاعات والكوارث. نحن لم ننبت من الصفر، كانت لدينا أهداف وحياة جميلة وذات معنى. وكنا نحياها بكامل طاقتنا وحماستنا".
من جهته، وجد أيهم جبر، وهو صحافي ومراسل تلفزيوني، "لغة استعلائية في النصائح، بالإضافة إلى أنها قاصرة لا تقدم شرحاً كافياً ولا تقترح طرقاً لتطبيقها للوصول إلى غاية الاندماج". يضيف أن "بعض تلك النصائح لا تقدّر خصوصية وتمايز الثقافات والخلفيات التي يتحدّر اللاجئون منها". وما يشير إليه جبر يولّد بالفعل حالة من القلق والضغط لدى اللاجئين، خصوصاً الذين لم ينخرطوا بعد في الحياة اليومية، وما زالوا رهن انتظار الأوراق والإقامة والسكن ولمّ الشمل والخروج من المخيّم. كذلك يعيش هؤلاء هاجس الاندماج، وما يتطلبه هذا الهدف الضبابي المشوّش الذي يشعر وافدون جدد كثيرون بأنه يهدد هويتهم وثقافتهم.
ولا يبدو الكتيّب مهتماً فعلاً بالبلدان الأصلية للاجئين ومصائرها، كأنه يطلب منهم فجأة أن يصبحوا "أوروبيين". وينقل على سبيل المثال ما قاله لاجئ من البلقان: "عند عودتي إلى البوسنة، لاحظت أن كل شيء تغيّر. أصبحت أوروبيّاً، والناس مضوا في حياتهم. بلدك الذي تحمله في أفكارك، في الواقع لم يعد موجوداً".
إلى ذلك، تجد رؤى، وهي لاجئة سورية خريجة فنون جميلة، أن "اللجوء هنا فرصة جدية للتوقف عن الخضوع لأعراف بلدك الأصلي وتقاليده التي تعوّقك". وهو إلى حدّ بعيد، كلام صحيح وإن بشكل نسبيّ. تضيف: "حين يكتمل شرط الحرية والاختيار، عليك ألا تتوقع من الآخرين أن يشبهوك في اعتقاداتك وأساليب حياتك، بل أن توفّر تلك الحرية فسحة كافية للاختلاف. لكن كيف لتلك الحرية أن تكون إذا كانت تدعوني إلى تخيّل نفسي طالبة في الخارج؟ كيف يمكن أن يكون تواصلي اليومي مع أهلي الذين يعيشون في سورية في ظل الحرب والحصار والجوع والخوف، عائقاً أمام اندماجي في البلد الذي لجأت إليه؟".
اقرأ أيضاً: الأمن الهولندي يتأهب لمواجهة "الإرهاب"