"كبشنا أكبر من كبشكم"، قالتها ريم ذات الخمس سنوات ببراءة، وهي تقفز فرحاً بين أقرانها، قبل أن يردّ عليها علاء الدين ذو الـ 11 ربيعاً محاولاً الحد من حماسها، "بل خروفنا سمين وبقرون ملتوية".
هكذا يستمر التباهي بأضاحي العيد بين أطفال الأحياء الشعبية بمدن المغرب، دون أن يخطر ببالهم المعاناة التي قد تتكبدها أسرهم لتأمين مبلغ شراء الخروف استعداداً لذبحه يوم عيد الأضحى الذي يوافق غداً الجمعة الأول من سبتمبر/أيلول.
تقفز ريم تارة وتحاول أن تلمس صوف الكبش تارة أخرى وهي تحدق بعيونه، فيما يقلد علاء الدين صوت مأمأة الخروف، لتتعالى ضحكات الأطفال وهم يعدون الساعات التي تفصلهم عن العيد.
لا تدرك ريم أن والدها عبد الرحمن، اضطر إلى الاقتراض من قريب له لشراء أضحية العيد،
يقول لـ"العربي الجديد"، "من أجل هذه الفرحة في عيون أطفالي، كافحت لشراء الأضحية، اقترضت من قريبي مبلغاً أسدده له على أقساط، لأن العطلة الصيفية أتت على كل ما كنت أدخره".
ويعمل عبد الرحمن سائق أجرة، ولا يخفي أن المصاريف المتعاقبة منذ رمضان والعطلة الصيفية أثقلت كاهله، ومازال العام المدرسي بانتظاره.
يتابع: "لم يعد المواطن البسيط يعلم كيف يدبر أجرته الهزيلة، فالمصاريف الكثيرة تفوق قدرته، علي أن أضاعف جهدي في العمل ليلاً ونهاراً لتسديد مبلغ الخروف وتوفير مصاريف الدخول المدرسي لثلاثة أبناء".
ويخضع سعر الأضاحي في المغرب لقانون العرض والطلب، ويبدأ من 1500 درهم (ما يعادل 170 دولاراً) وهو الرقم الذي يشكل عبئاً على الكثير من الأسر المغربية التي لا يتجاوز دخلها الشهري 2000 درهم (نحو 300 دولار).
وإذا كان والد ريم استطاع شراء خروف العيد وإدخال الفرحة على أسرته، فإن أمّ عبد العزيز، الأرملة التي فقدت زوجها مؤخراً، مازالت تقف مكتوفة الأيدي، حائرة أمام أسئلة أطفالها الحارقة: أمي كل الجيران اشتروا الخروف، ماما متى يأتي كبشنا؟.
عجزت الأم المكلومة بخسارة الزوج عن توفير مبلغ الخروف، فما تجنيه من العمل في البيوت لن يكفيها حتى في توابل العيد، بحسب قولها لـ"العربي الجديد": "توفي زوجي نهاية العام الماضي، وتركني رفقة أبنائه الأربعة دون معيل، كان المحسنون في البداية يتصدقون علينا بين الفينة والأخرى، قبل أن أقرر الخروج للعمل في البيوت سعياً لجلب الخبز لأسرتي، لكنني أجد نفسي اليوم في محك حقيقي أمام أبنائي، لم أعد أستطيع تحمل نظراتهم وأسئلتهم المتكررة، قلبي يعصره الألم، وما بيدي حيلة".
يقاطعها ابنها عبد العزيز: "كان موت أبي كارثياً بالنسبة لنا، لو كان حيّاً لكنا نلعب الآن مع الخروف كما نفعل كل عيد، ولن نرى أمي تذرف الدموع عجزاً، لكن أملي كبير بأن تتمكن والدتي من إيجاد خروف مناسب، لا يهم شكله ولا حجمه، المهم أن تدخل الفرحة بيتنا".
ويعد "العيد الكبير" بكل ما يحمله من دلالات فرصة لإحياء العديد من العادات والتقاليد مازالت تتشبث بها العائلات المغربية، ومن أهمها عادة "بوجلود" أو "السبع بو البطاين" التي يلبس فيها الشباب جلد الخروف ويطوفون على الأحياء في مشهد احتفالي و"خيلوطة"، التي ينتظرها الأطفال بفارغ الصبر.
و"خيلوطة" تطلق على الأكلة التي يحضرها الأطفال في اليوم الثاني من العيد، بعد أن يجلب كل واحد منهم قسطاً من اللحم والتوابل والمكونات التي يحتاجونها لإعداد طاجين بأناملهم الصغيرة في جو من الفرح، وتحت أعين الأمهات التي تتفقدهم بين الفينة والأخرى حتى لا يعرضوا أنفسهم لأذى النار.
ويتشكل الأطفال في مجموعات تبدأ من 5 إلى عشرة، ذكوراً وإناثاً، يوزعون العمل فيما بينهم، بين من يقطع البصل، ومن يجلب الماء، ومن يضع التوابل واللحم، ثم يضعون خيلطوتهم على نار هادئة وينهمكون في اللعب إلى أن تصبح جاهزة.
وتقول مريم (5 سنوات)، يلقبونني بالطباخة الصغيرة، أنا من أحرص على تتبيل طاجين "الخيلوطة، ووضع المقدار الكافي من اللحم والماء، لا شيء يضاهي سعادتنا بهذا اليوم".
فيما توضح الحاجة نعيمة، "إنه وبالنظر لما تحمله في ذاكرتها عن هذه العادة الجميلة، وما تدخله من فرحة وبهجة على الأطفال، فإنها ومع اقتراب كل عيد أضحى، تشتري طاجيناً صغيراً لأبنائها، كما تشجعهم على إحياء هذه العادة لما تحفل بها من قيم التضامن الاجتماعي".
وبرغم الأعباء المادية التي يفرضها عيد الأضحى على العديد من الأسر المغربية، بل ويدفع ذات الدخل المحدود منها إلى الاقتراض من المؤسسات البنكية أو السلف العائلي، مع ما يستتبع هذا الأمر من جدل يفقد هذه الشعيرة الدينية قيمتها، إلا أنه يبقى في عيون الأطفال مناسبة للفرح وللكبار فرصة للتزاور وصلة الرحم والتكافل الاجتماعي.