لا تخلو جلسة لجدة كردية قبل عيد النوروز بأيام قليلة، من قصة "كاوا الحداد" البطل الكردي الأسطوري الذي أنهى ظلماً تعرض له الأكراد على يد ملك فارسي يدعى أزديهاك.
تقول القصة إنّ أزديهاك كان يأكل أدمغة الأطفال الأكراد بسبب مرض أصابه. فقدم له كاوا دماغ خروف بدلاً من دماغ ابنته، ما تسبب له بلعنة أنبتت أفاعي في كتفيه. فيما سار باقي الأكراد على نهج كاوا وقدموا أدمغة خراف بدلاً من أدمغة أبنائهم الذين هرّبوهم إليه في الجبال. ومع مرور سنوات طويلة، شكل كاوا جيشاً جراراً من الأطفال، تمكن من القضاء على الملك الظالم، وأوصل رسالة النصر عبر البلاد عن طريق إشعال النيران على رؤوس الجبال.
في الليلة السابقة للنوروز، تنطلق احتفالات العيد لدى أكراد سورية. ومنهم من يستعيد أسطورة كاوا الحداد، بإشعال النيران على القمم والمرتفعات في القرى والبلدات الكردية شمالاً. ويجمع الشبان إطارات السيارات المستعملة، ويشعلونها لتبقى طوال ليلة النوروز كرمز للصمود ورفض الظلم والسعي للتحرر منه والانتصار عليه.
تنشغل العائلات الكردية السورية مساء بحفلات الرقص على موسيقى المغني الكردي الشهير شيفان برور. بالإضافة إلى إعداد موائد عشاء يجتمعون حولها ليلاً، ويتبادلون الحديث فيها عن تحضيرات الاحتفال في اليوم التالي.
صبيحة العيد، يتجمع أبناء القرى الكردية بملابسهم التقليدية، في الساحات العامة في المدن والبلدات الكردية المركزية، ويبدأون الاحتفالات بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء الشعب الكردي. ليغنوا بعدها نشيدهم الوطني العابر لحدود الدول التي يتواجد فيها الأكراد، في أرض كردستان التاريخية وغيرها.
وبعد الخطابات الرسمية الاعتيادية لممثلي الأحزاب الكردية، تبدأ حفلات الرقص التي تترافق عادة مع غناء الفنانين الأكراد للأغاني القومية. ويجتمع الحاضرون بعد الظهر حول موائد الشواء في الهواء الطلق، إيذاناً بحلول فصل الربيع.
في السنوات الأخيرة، تشهد احتفالات النوروز في سورية انقساماً. فمنها ما يقيمه أنصار حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي (فرع حزب العمال الكردستاني في سورية)، ومنها احتفالات الأحزاب الكردية السورية الأخرى. من جهتهم، اعتاد أنصار حزب الاتحاد على رفع رايات حزب العمال الكردستاني وصور زعيمه عبد الله أوجلان، تأكيداً على ولائهم. بينما يرفع أنصار الأحزاب الكردية الأخرى العلم الوطني الكردي المعتمد كعلم لإقليم كردستان العراق.
ومع انطلاق الثورة في سورية، انشق عدد كبير من أفراد الأحزاب الكردية في حلب عن أحزابهم التي كان موقف بعضها دون تطلعاتهم. فشكل هؤلاء تنسيقيات للحراك الثوري نظمت التظاهرات والاعتصامات ضد النظام السوري، قبل أن تبدأ بتنظيم التظاهرات الكبيرة المناهضة للنظام في عيد النوروز. فتمكنت تنسيقية التآخي الكردية في حلب من تحويل احتفال عيد النوروز في حي الأشرفية، وفي مدينة عفرين وريفها عام 2012، إلى تظاهرتين كبيرتين مناهضتين للنظام. كما تمكن النشطاء الأكراد الذين انخرطوا في الثورة من توسيع المعاني القومية التاريخية التي يحملها عيد النوروز إلى معانٍ ثورية حديثة لم يعهدها الأكراد السوريون، الذين يجتمعون كل عام للاحتفال، من قبل.
تتوزع احتفالات الأكراد السوريين بالنوروز تقليدياً في قراهم وبلداتهم المنتشرة في منطقتي عفرين وعين العرب (كوباني) في ريف حلب، وفي القامشلي والدرباسية وعامودا ورأس العين بريف الحسكة. إلاّ أن ظروف الحرب التي تمر بها سورية اضطرت عشرات الآلاف منهم إلى النزوح عن قراهم، خصوصاً بعد هجوم تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" على منطقة كوباني ذات الغالبية الكردية في سبتمبر/ أيلول الماضي. وهو ما اضطر معظم سكانها للنزوح باتجاه تركيا وإقليم كردستان العراق.
وفي نوروز هذا العام، سيحتفل النازحون إلى تركيا، في مخيماتهم بمنطقة سروج القريبة من كوباني. وهو الأمر نفسه في مدينة عفرين، أكبر المدن ذات الغالبية الكردية في ريف حلب، التي سيقيم النازحون الأكراد إليها من أحياء الشيخ مقصود والأشرفية في حلب احتفالاتهم بعيداً عن بيوتهم. ومع ذلك، سيتذكر النازحون، أينما كانت احتفالاتهم، معاني الصمود والأمل بالخلاص التي حفظوها واستذكروها مراراً مع كل نوروز مرّ عليهم. وسيعود "كاوا الحداد"، إلى سورية، بأسطورته التي خلصت الشعب الكردي من الظالم، كما خلصتهم قوات حماية الشعب الكردي أخيراً من تنظيم "داعش" بعد سيطرتها على كوباني بالكامل.