وفي وقتٍ يتهرّب فيه الوزراء اللبنانيون من الإجابة عن أي سؤال مرتبط بهذا الملف، سارع المكتب الإعلامي في رئاسة مجلس الوزراء، أول من أمس الاثنين، إلى التأكيد في بيان، على أنّ الحكومة بصدد دراسة تأثير هذا القانون على لبنان والهوامش التي يمكن للحكومة العمل فيها، من دون حصول ارتدادات سلبية على البلد، نافياً الأخبار التي تداولتها صحف لبنانية حول تبني قانون "قيصر" في جلسة مجلس الوزراء التي انعقدت الأسبوع الماضي.
اللبناني نزار زكا، وهو مدير البرامج لدى "المؤسسة الأميركية لتكنولوجيا السلام" والعضو في فريق "قيصر" (أنشأه الكونغرس ويضم استشاريين من بلدان يشملها القانون مهمتهم إعداد لائحة بأسماء أشخاص وكيانات وشركات تدعم النظام السوري أو تتعامل معه اقتصادياً)، يشير في حديث مع "العربي الجديد"، إلى أنّ "قانون قيصر وُضِعَ لإقفال كل منافذ التعامل مع النظام السوري ومساعدته بشتى الطرق والوسائل التي لم تكن مذكورة في العقوبات الأميركية السابقة، بما في ذلك التعابير التي كانت تستخدم كحججٍ لتبرير التعامل والتواصل مع نظام يرتكب جرائم ضدّ الإنسانية".
زكا، الذي اعتقلته السلطات الإيرانية عام 2015 بينما كان يزور إيران بتهمة التجسّس لصالح الولايات المتحدة، وأفرج عنه في يونيو/ حزيران 2019 بعد تدخل رئيس الجمهورية ميشال عون لدى الجانب الإيراني، فيما قاد مفاوضات تسلّمه المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، يلفت إلى أنّ "جميع الشركات والمؤسسات والأشخاص والمراكز التي يثبت تعاملها مع النظام السوري، حتى (الأمانة السورية) ـ وهي جمعية غير حكومية ـ التي تدّعي الأعمال الخيرية، باتت عرضة للعقوبات الأميركية، وبالتأكيد عمليات التهريب التي تحصل بين لبنان وسورية، إذ سيطاول قانون قيصر المهربين والمشاركين في كل عملية تصبّ في صالح النظام السوري والتعاون معه". تجدر الإشارة هنا إلى أنّ الدولة اللبنانية باشرت بإقفال المعابر غير الشرعية التي يفوق عددها المائة، ويوجد معظمها في مناطق محسوبة على "حزب الله"، ولا سيما في منطقة البقاع، حيث يستخدمها الحزب لإرسال السلاح والعناصر التابعة له إلى سورية. في حين يرى مراقبون أن إجراءات الدولة صورية واستعراضية ولن تؤدي إلى إقفال كل منافذ "حزب الله".
ويشدد زكا على أنّ "القانون سيكون له تأثير مباشر على حزب الله، الذي يقاتل في سورية ويتنقل عبر قيادييه ومسؤوليه الحزبيين والشخصيات السياسية التي تدور في فلكه داخل الأراضي السورية. وهو بمثابة رسالة واضحة وصريحة إلى كلّ من بدأ يطرح أخيراً إعادة فتح الحدود بين الجانبين السوري واللبناني وإقامة علاقات ثنائية لغايات تجارية. من هنا، يسود ترقب لموقف الحكومة اللبنانية التي لم يعد بإمكانها إيجاد مخارج وحجج لأي خطوة من هذا النوع". ويلفت زكا إلى أنّ "قانون قيصر" سيطاول كذلك "جميع الحسابات المصرفية التي تضمّ ودائع أشخاص هم على علاقة مع النظام السوري".
ولا يستبعد زكا أن يساهم القانون، وعلى الرغم من أن ليس له مفعول رجعي، في "الكشف عن مصير 630 لبنانياً من المفقودين في السجون السورية منذ عقود، على اعتبار أنّ القانون يضع على لائحة العقوبات كلّ من له علاقة بقتل السجناء أو ارتكب أفعالاً جرمية بما في ذلك شتى أنواع التعذيب".
ويكشف زكا لـ"العربي الجديد"، أنّ "قانون قيصر" الذي يعطي مهلة 180 يوماً لتقديم أول تقرير للكونغرس الأميركي منذ تاريخ توقيعه، أي قبل 18 يونيو الحالي، ويشمل أربع مراحل من العقوبات حتى أغسطس/ آب المقبل، "ليس له أي مفعول رجعي، بمعنى أنه يشمل الأفراد والكيانات والشركات والمراكز والمؤسسات التي تعاونت مع النظام السوري وقدمت له مختلف طرق الدعم، سواء الاقتصادي أو السياسي أو العسكري، ابتداءً من تاريخ التوقيع عليه، وهذه النقطة حساسة جداً يمكن التعاطي معها باستنسابية فيما لو ارتأت الحاجة لذلك".
بدوره، يرى السفير اللبناني السابق لدى واشنطن أنطوان شديد، في حديث مع "العربي الجديد"، أنّ "قانون قيصر" بالطريقة التي أعدّ بها ووسّع من خلالها دائرة المشمولين بالعقوبات الأميركية، "من شأنه أن يطاول للمرّة الأولى الدولة اللبنانية وليس فقط حزب الله، إذ يضع شروطاً قاسية جداً للتعامل مع النظام السوري بكافة الأوجه ولن يستثني أحداً". ويؤكد شديد أنّ "أضراراً كبيرة قد تلحق بلبنان بشكل خاص، باعتباره جاراً لسورية، وتأثيرات القانون حتماً ستشمل الدول التي تتعامل مع النظام السوري، ومن بينها روسيا والصين والعراق وإيران"، مضيفاً أنّ "هذه مرحلة جديدة سندخل فيها تبعاً للمسار الذي ستحدده الولايات المتحدة الأميركية في طريقة تطبيق القانون".
من جهته، يصف مصدر لبناني مواكب للحراك الأميركي بخصوص "قانون قيصر"، لكنه فضل عدم ذكر اسمه، في حديث لـ"العربي الجديد"، العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأميركية في مراحل سابقة بأنها "نقطة في بحر قانون قيصر"، موضحاً أنّ "الدولة اللبنانية التي لم تدفع ثمن تعاملها مع النظام السوري من خلال تأمين الغطاء السياسي والدولي لتصرفات حزب الله، ستسدّد ضريبة ذلك اليوم. من هنا بدأنا نلمس تجنّب بعض القوى السياسية، ولا سيما التيار الوطني الحرّ الذي يرأسه النائب جبران باسيل صهر رئيس الجمهورية، الدخول في مناقشات تخصّ سورية. وباسيل يعرف تماماً الثمن الذي سيدفعه في حال قرّر التعاطي مع النظام السوري أو الانفتاح عليه من بوابة تسهيل مروره نحو قصر بعبدا (قصر الرئاسة) لتولي رئاسة الجمهورية، وقد قدم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس الأميركي، إليوت أنغل، نصائح له في هذا الشأن". ويلفت المصدر في هذا السياق إلى أنّ "قانون قيصر" من شأنه "أن يقضي على طموحات كل مرشح لرئاسة الجمهورية على علاقة مع سورية، وخصوصاً رئيس تيار المردة سليمان فرنجية".
ويطرح المصدر أسئلة وعلامات استفهام عدة حول مصير قطاعات وملفات كثيرة عند تطبيق "قانون قيصر"، منها على سبيل المثال البنوك اللبنانية التي تملك فروعاً في سورية، متسائلاً كيف سيتمّ التعاطي معها؟ وكذلك ما مصير العلاقة المنظمة بين لبنان وسورية والتي تترجم علناً بزيارة مسؤولين وقادة أمنيين إلى الأراضي السورية، آخرهم اللواء عباس إبراهيم، الذي بحث ملف المعابر غير الشرعية مع الجانب السوري؟ والأمر نفسه ينطبق على ملف اللاجئين السوريين في لبنان وطريقة التعاطي معه مستقبلاً، وهل ستستمرّ سورية بتزويد لبنان بالكهرباء؟ وهل ستواصل بعض الشخصيات السورية الموالية للنظام استخدام مطار لبنان لرحلاتها الخارجية؟
الأجوبة عن هذه الأسئلة مرتبطة بمدى ذهاب الولايات المتحدة الأميركية بعيداً في تنفيذ القانون، وطريقة تعاطي الحكومة اللبنانية معه. ولا يرى المصدر اللبناني، الذي تحدث مع "العربي الجديد"، أن الحكومة اللبنانية تمتلك القدرة على إدارة ملف بهذا الحجم، لا سيما في ظل الاتصالات المحدودة مع الإدارة الأميركية. وهو ما يجعل سيناريوهات تعاطيها معه مفتوحة على أكثر من احتمال، جميعها لن تمر من دون أثمان، خصوصاً في حال الالتزام بـ"قانون قيصر"، لأن هذا الأمر قد يؤدي إلى تفجر الخلافات داخلها ورفع الغطاء عنها من حزب الله. بدوره، يؤكد نزار زكا في هذا السياق، أنّ المراحل الأربع التي سيعلن عنها تباعاً في إطار القانون، ستوضح هذه النقاط كلّها.
ويتزامن دخول "قانون قيصر" حيّز التنفيذ مع بدء الحكومة اللبنانية إقفال المعابر غير الشرعية، وتمديد ولاية القوات الدولية العاملة في جنوب لبنان (اليونيفيل) لمدة سنة إضافية، ومحاولتها التوافق مع "صندوق النقد الدولي" والجهات المانحة للحصول على دعم مالي ينتشلها من أخطر الأزمات الاقتصادية والمعيشية التي تمرّ بها البلاد.