تأملية وشعائرية، أول ما يخطر ببالك وأنت تشاهد أعمال الفنانة التشكيلية اللبنانية ريم الجندي التي يستمر عرضها في غاليري "جنين ربيز" في بيروت حتى 25 حزيران/ يونيو.
في مجموعتها الجديدة "قيامة"، استطاعت الجندي كعادتها أن تجد لنفسها خلطة غرائبية تجمع فيها أنماط رسم مختلفة، واستدعاء لا تحاول إخفاءه لخطوط فنانين آخرين. وبهذا المزيج، تلظم لوحات المعرض في عقد واحد، فنرى فن الأيقونة البيزنطي ممتزجاً برسومات وجوه الفيوم الشهيرة، التي رُسمت لموتى في جنازاتهم.
نلمح أيضاً شيئاً من عوالم الفنانة المكسيكية فريدا كاهلو. المومياء المصرية اجتمعت مع المقدّس المسيحي وامتزجت بسوريالية محتجبة وخجولة مستقاة من كاهلو.
وإن كانت الجندي تعيد تصوير وجوه الشهداء والقتلى الذين تملأ صورهم الشاشات التلفزة واليوتيوب ملفوفين بـ"أغطية الأسرة" على حد تعبير الفنانة، فإن عدسة التلفزيون تترك الوجه الملتف بالأبيض للمتفرج، تتركه بدمه وجروحه وفمه الفاغر كما عثر عليه في اللحظة الأخيرة.
ما تفعله الجندي أنها تأخذ قماشة الفن وتضعها على الوجوه وكأنها تطبعها ثم تعيد صياغتها، بعيون صافية وبشرة طينية اللون نظيفة، لا جروح فيها ولا دماء. أغطية الأسرة تتخذ ألواناً مختلفة، نحن أمام شخصيات ميتة ومجهولة، جمعت في موتها صفة المقدس مع لحظة سوريالية بامتياز.
هناك عملان مختلفان عن باقي اللوحات الأيقونية النمط، الأولى عنوانها "صورة زفاف" والثانية "بانتظار الطفل"، لا يملك المتفرج إلا أن يستدعي أعمال كاهلو هنا، خطوط الوجوه والخلفيات تقترب من أعمال الفنانة المكسيكية بحذر.
الوجوه أقرب إلى السحنة اللاتينية، اللون لون الأرض بالضبط، العريس والعروس أمام الكاميرا في قمة التعاسة، إنهما مجرد شبحين من الحزن بملابس الزفاف. اللوحة الثانية تحيل أيضاً إلى فكرة المقدس، تستخدم الجندي تعبير Waiting For the Child وليس Baby. المرأة المتجهمة في صورة الزفاف مع عريسها، أمّا المرأة الحامل فتقف وحدها.
ثمة شيء مكرّر في أعمال الجندي، رغم تجدّد أسلوبها كل مرة، المرأة ذات اللون الطيني لمحناها قبلاً مع طفلها في معرض "شجرة العائلة" الذي أقامته عام 2012.
الجديد هذه المرة أن الفنانة تحاول الابتعاد عن سيرتها الشخصية التي لطالما كانت محوراً لمعارضها السابقة، مثل "أوقات زيارة بينلوب" الذي تناولت فيه تجربتها مع المرض، أو معرض "طريق المطار"، وفيه رسمت تجربتها مع عائلتها في محاولة الهجرة إلى كندا.
ولكن الجندي تستخدم الوجوه نفسها، ثمة تماثلات كثيفة في البورتريهات المختلفة، العيون ولون البشرة والقسمات الهادئة، أسلوب "وجوه الفيوم" يعود من جديد.