في كلّ رواية قدمها خوسيه ساراماغو (1922-2010)،كان يقترح على نفسه والقارئ لعبة جديدة. لعب صاحب "كل الأسماء" بالقصص الخرافية والواقع ولم يوفر التاريخ، وفي روايته "تاريخ حصار لشبونة" يقوم البطل ريموندو سيلفا بالتدخّل في قصة المدينة عام 1147 بأن يلعب في عبارة واحدة ويحوّلها من الإثبات إلى النفي، وبدلاً من أن يكون الصليبيون كما يذكر التاريخ ساعدوا البرتغاليين في حصار لشبونة والاستيلاء عليها، يكتب سيلفا أن الصليبيين رفضوا مساعدة البرتغاليين، وينطلق من هنا في سرد تاريخه البديل المتعلّق بواقعة الحصار وينسج شبكة من أعمال الحب والسياسة والحرب.
الرواية تعدّ اليوم مثالاً بارعاً على كتابات الميتافيكشن- تصدر ترجمتها عن "دار الجمل" في بيروت، بترجمة علي عبد الرؤوف البمبي، وبطلها ريموندو سيلفا، عازب في منتصف العمر ومدقق لغوي في دار نشر برتغالية معاصرة، يقع في حب رئيسته ماريا سارة، وتقترح عليه أن يسرد الأحدث كما يشاء وأن التاريخ مجرد فكرة يمكن التعديل عليها والتدخل فيها. وهذه واحدة من الثيمات المكرّرة في أعمال ساراماغو، حيث التاريخ شكل من أشكال الأدب من خلال إعادة ترتيب انتقائية للأحداث، حيث تشكّل أفكار ساراماغو وليس المرويات التاريخية، بنية أساسية لتشكيل التاريخ البديل.
مع تطوّر الحب بين الاثنين تتصاعد أحداث الرواية، ويتداخل الحاضر والماضي المتخيّل مع بعضهما البعض في سرد مليء بالتحديات يتحول باستمرار بين الأزمنة الماضية والحالية بل والعابرة للقرون، سنجد رعاة البقر الأميركيين إلى جانب فرسان القرون الوسطى، سيختبر ساراماغو كل شيء فيها من فرويد إلى ميكيافيللي، من قصف اليابان لبيرل هاربر إلى صورة الجيش البرتغالي وهو يبني برجاً لكسر مقاومة لشبونة.
يستكشف ساراماغو التعطش للسلطة والتعصب الديني والسياسي والشوفينية، مثلما يعود برفق إلى حاجة الإنسان للحب والرفقة والجنس. ورغم ما يبدو عليه الموضوع من أنه ثقيل وقد تكون الرواية صعبة القراءة، إلا أنها وصفت لدى صدورها بأنها قصة لا تخلو من جانب مسلٍ أيضاً ومن السرد المتدفق.
رغم ذلك، نجد تحليلات أدبية كشفت تأثر ساراماغو بتجربة جويس وأسلوبه فيها، مثلما تأثر بتجارب الحداثيين الآخرين في أوائل القرن العشرين، من هنا نجد "تاريخ حصار لشبونة" التي كتبها الحائز على جائزة نوبل عام 1999، رواية معقدة سياسيًا وتاريخيًا تعتمد على أشكال ومستويات متنوعة من السرد والتخييل.