كان غومبريتش قد أصدر كتابه هذا عام 1950 عن دار "فايدون"، ووضع فيه ما يشبه البانوراما لتاريخ الفن من نحت ورسم ومدارس وتجارب منذ العصور القديمة وحتى الأزمنة الحديثة، وقد أعيد طبعه بالإنكليزية 18 مرة وبيعت منه سبعة ملايين نسخة، وتُرجم إلى 30 لغة، ويعتبر أكثر الكتب التي تتناول تاريخ الفن مبيعاً.
هذه الحالة التي خلقها الكتاب لنفسه والطريقة التي راج فيها، رغم أنه كتاب متخصّص في الفن، تطرح سؤالاً حول ما يميزه عن مئات الكتب الأخرى التي وضعها المؤرخون حول الموضوع نفسه. ولماذا لقي هو بالتحديد هذا النجاح والصيت لسبعة عقود تقريباً.
والإجابة عن هذا التساؤل تكمن في متن الكتاب وطريقة تقسيمه، فقد جاء في 27 فصلاً، حيث كان الزمان في كل فصل ثابت والجغرافيا هي المتحركة، بمعنى أن كل فصل يتناول فترة معينة من تاريخ الفن ولكن في جغرافيات مختلفة، فيكون بإمكان القارئ العادي أن يعرف قصة الفن في مصر وفي اليونان وفي أوروبا في اللحظة التاريخية ذاتها، وبذلك تصبح القراءة كما لو أنها تركيب لقطع من الفسيفساء على خريطة العالم، كل قطعة تروي قصة الفن في مكان مختلف وزمان محدد، وفي نهاية كل فصل يصير من الممكن بناء تصوّر شامل لحقبة معينة.
في القسم الأول من الكتاب يتناول المؤلّف الثقافات القديمة أو الفترة التي تعرف بـ ما قبل التاريخ، ثم ينطلق في أربعة فصول متتالية ليقدّم قطعة كبيرة من المعرفة حول تاريخ الفن في اليونان وروما، لينتقل فيما بعد إلى أوروبا والعالم. أما فيما يخص القرنين الثامن والتاسع عشر فيتناول غومبريتش واقع الفن في أميركا وفرنسا وبريطانيا في وقت واحد.
من الأمور التي تميّز "قصة الفن"؛ مختارات غومبريتش للأعمال الفنية، والتي يعطي من خلالها نماذج على ما يقدّمه من تحليلات ومعلومات، لكن بعض النقاد أخذوا على الكتاب غياب بعض أنواع الفنون مثل الهندوسية والإتروسكانية. كما أن معرفته كانت تصبح أقل دراية وتعمقاً كلما اقترب في الزمن من القرن العشرين، حيث أصبح يمر على الأشياء مروراً سريعاً من دون تلك العناية التي أولاها لفنون العصور القديمة.
من المعروف أن صاحب "الفن والوهم" عاش الجزء الأكبر من حياته في لندن بعد أن هرب من ملاحقة النازيين له في النمسا، ومنذ ذلك الوقت كرّس غومبريش جهده للكتابة عن تاريخ الفن، فوضع كتباً عن الصورة إلى جانب تأملات في التقاليد الثقافية وحول نظرية الفن، ووضع أيضاً كتاباً لقي نجاحاً لا يقل عن "قصة الفن" وهو "مختصر تاريخ العالم"، وقد جرت ترجمته إلى العربية وصدر عن "عالم المعرفة".