"قسد" تستفرد بمنبج: اعتقالات استباقية لتأمين النيروز الكردي

17 مارس 2019
شهدت منبج عدة عمليات تفجير (دليل سليمان/فرانس برس)
+ الخط -
لا تكاد مدينة منبج السورية غربي نهر الفرات تبتعد عن واجهة المشهد، حتى تعود بزخم أكبر، ما يؤكد أهمية هذا المدينة لفرقاء الصراع في سورية، إذ لا تزال "قوات سورية الديمقراطية" التي تسيطر على المدينة، تتلقى دعم الولايات المتحدة، التي لم تلتزم بخارطة طريق اتفقت عليها مع تركيا العام الماضي حول المدينة، في الوقت الذي تتطلع فيه روسيا للحلول محل الأميركيين في منبج، أو المساومة عليها نظير مرونة تركية في ملفات أخرى.

وفي جديد التطورات في منبج، شنّت "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) مع قوات التحالف الدولي، يوم الجمعة، عملية دهم واعتقالات في المدينة طاولت عشرات المدنيين، أغلبهم نازحون إلى المدينة من عدة مناطق سورية، بالتزامن مع نشر حواجز على مختلف الطرق ومداخل ومخارج المدينة. وبحسب مصادر محلية، فإن التهم الموجهة للمدنيين المعتقلين هي تشكيل خلايا نائمة تابعة لكل من: النظام السوري، المعارضة السورية، و"داعش"، مشيرة إلى أن الاعتقالات تهدف إلى امتصاص الغضب الشعبي في منبج خصوصاً بعد ارتفاع وتيرة الفلتان الأمني في المدينة ووقوع العديد من التفجيرات التي أدت إلى مقتل مدنيين. وذكرت المصادر أن حالة من الخوف تسود المدنيين في المدينة، مشيرة إلى ان هذه الحملة "تُعتبر الأولى من نوعها في منبج"، وتم فرض حظر تجوال على جميع المدنيين ووسائط النقل.

وتأتي الحملة قبيل أسبوع من موعد الاحتفال بعيد "النيروز" أو رأس السنة الكردية التي يحتفل بها الأكراد في العالم ضمن تجمّعات في العديد من المناطق، ومن الواضح أن الوحدات الكردية التي تشكّل الثقل الرئيسي لقوات "قسد" تتحسب من شنّ هجمات على هذه التجمّعات. وذكرت المصادر أن الحملة الأخيرة تزامنت مع تسيير دوريات أميركية مكثفة على محور خط نهر الساجور الفاصل بين شمال وشمال غرب مدينة منبج ومناطق سيطرة المعارضة السورية والجيش التركي. ولطالما شهدت مدينة منبج عمليات تفجير، كان آخرها في يناير/كانون الثاني الماضي، وأعلن تنظيم "داعش" حينها عن وقوفه وراء تفجيرين استهدفا دوريات مشتركة للتحالف الدولي و"قسد"، أسفرا عن وقوع قتلى وجرحى من بينهم أربعة جنود أميركيين.

وتأتي الاعتقالات التي قامت بها "قسد" كتأكيد أن الأخيرة لا تزال هي القوة الضاربة في المدينة، في رسالة واضحة للجانب التركي الساعي إلى تكرار سيناريو عفرين شمال غربي حلب حيث شن عملية "غصن الزيتون"، والتي انتهت سريعاً بخروج الوحدات الكردية من المنطقة بشكل كامل. وبذلك عادت منبج إلى واجهة الحدث بعد أن ابتعدت قليلاً على ضوء ما يجري في شرقي البلاد، وشمال غربها، ليتجدد التنافس على هذه المدينة التي تقع غربي نهر الفرات، وانتزعت الوحدات الكردية السيطرة عليها بعد حصار شهرين، من تنظيم "داعش" في منتصف عام 2016. ويشكل العرب الغالبية الكاسحة من سكان منبج، ولكن الكثيرين منهم اضطروا إلى ترك مدينتهم عام 2014 مع سيطرة تنظيم "داعش"، وفي عام 2016 مع سيطرة الوحدات الكردية، إذ مارس الطرفان سياسة ترهيب ضد المعارضين.

وحاولت تركيا دفع فصائل المعارضة السورية المرتبطة بها لانتزاع السيطرة على منبج، للقضاء على الوجود الكردي المسلح غربي الفرات، ولكن الولايات المتحدة التي تدعم الوحدات الكردية وتحتفظ بوجود لها في منبج ومحيطها، حالت دون ذلك. وتعتبر أنقرة الوحدات الكردية النسخة السورية من حزب "العمال الكردستاني" المصنف في خانة التنظيمات الإرهابية في العالم. ومن هذا المنطلق، لا تزال أنقرة تنتقد الدعم الأميركي للوحدات الكردية المتهمة من قبل تركيا والمعارضة السورية بمحاولة إنشاء إقليم ذي صبغة كردية في شمال شرقي سورية، وهو ما تنفيه الوحدات التي تسيطر اليوم على منطقة شرقي الفرات التي تعادل أكثر من ربع مساحة سورية، فضلاً عن كونها تضم أهم الثروات في البلاد.

وبعد توتر في العلاقة بين أنقرة وواشنطن نتيجة دعم الأخيرة للوحدات الكردية سياسياً وعسكرياً، توصلت العاصمتان في يونيو/حزيران 2018، إلى اتفاق على "خريطة طريق" حول مدينة منبج، تضمن إخراج الوحدات الكردية ومليشيات محلية مرتبطة بها، من المنطقة، وتوفير الأمن والاستقرار فيها. ولكن واشنطن لم تنفذ ما اتفقت عليه مع أنقرة حول منبج متذرعة بوجود عوائق تقنية، وهو ما دفع النظام وحلفاءه الروس إلى محاولة العودة مرة أخرى إلى منبج، خصوصاً بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بسحب قوات بلاده من سورية. وتباحث الأتراك والأميركيون منذ منتصف عام 2018 أكثر من مرة حول حسم مصير منبج، كان آخرها في بداية الشهر الحالي، حين التقى وزير الدفاع التركي، خلوصي أكار، مع المبعوث الأميركي الخاص إلى سورية، جيمس جيفري، في العاصمة أنقرة، وبحثا الإسراع في استكمال خريطة طريق منبج، ولكن حتى اليوم لا يزال مصير المدينة غامضاً، ما يؤكد عدم وجود استراتيجية أميركية حيال الوضع في مدينة منبج وريفها.

وذكرت مصادر في "قوات سورية الديمقراطية"، في تصريحات صحافية لها قبل أيام، أنّ الجانب الروسي أبلغ قيادة "مجلس منبج العسكري" التابع لهذه القوات، بأن وزارة الدفاع الروسية ستقوم بنشر قواتها على طول الخط الذي يفصل منبج عن مناطق سيطرة فصائل الجيش السوري الحر، فور انسحاب القوات الأميركية من المنطقة. وأشارت المصادر إلى أنه سيكون من السهل دخول روسيا إلى مدينة منبج، لأن القوات الروسية تبعد مسافة نصف كيلومتر فقط عن القوات الأميركية الموجودة في المدينة. وكانت قوات النظام وقوات روسية حاولت دخول منبج أواخر العام الماضي، عقب إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب سحب قواته من سورية، لكن القوات الأميركية حالت دون دخول أي قوات إلى داخل منبج. ويدرك الروس أهمية مدينة منبج لدى الأتراك ما يدفعهم إلى وضع مصيرها محل مساومة على ملفات أخرى في القضية السورية، ويبحث الروس عن مرونة تركية باتجاه حسم مصير ريف حلب الشمالي، وخصوصاً مدينة تل رفعت ومحيطها التي تسيطر عليها الوحدات الكردية، لصالح النظام السوري. كما لا يمكن عزل الموقف في مدينة منبج عن مثيله في محافظة إدلب ومحيطها، إذ يضغط الروس على الجانب التركي للحصول على تسهيلات لقوات النظام للسيطرة على مناطق في شمال غربي سورية، مقابل تسهيلات مماثلة من الجانب الروسي تتيح للجيش التركي وفصائل المعارضة السورية المقربة من أنقرة السيطرة على منبج.

المساهمون