"قسد" تتوغل في شرق الرقة وكسر عظم في البادية

10 يونيو 2017
من قصف النظام السوري لدرعا (محمد يوسف/الأناضول)
+ الخط -

تحوّل الملف الخليجي إلى قضية حساسة في المسألة السورية، مع إعلان وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، أمس الجمعة، بأنه "بحث تسوية الوضع السوري وتأثّره بالوضع حول قطر مع نظيره الإيراني، محمد جواد ظريف". وكشف لافروف للصحافيين، أنه "تحدثنا عن التقدم في التسوية السورية، وتأثّر هذه العمليات وجهودنا المشتركة بالقصة حول قطر"، مضيفاً أن "موسكو وطهران تدعوان إلى تسوية هذه الأزمة على طاولة المفاوضات". 

ميدانياً، دخلت المواجهات في البادية السورية مرحلة تحد وكسر عظم بين قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة من جهة، وإيران وحلفائها من جهة أخرى، أي النظام السوري والمليشيات، وذلك في ظلّ إصرار طهران على وصول حلفائها إلى الحدود العراقية، وإصرار واشنطن على منعهم من تحقيق ذلك. وفي غضون ذلك، تمضي معركة الرقة بوتيرة أسرع في سياق تقدّم "قوات سورية الديمقراطية" داخل المدينة التي تتعرض لقصف جوي عنيف من جانب طيران التحالف، أزهق أرواح كثير من المدنيين. كما كان المدنيون في درعا، جنوب البلاد، عرضة لموجة قصف جوي وصاروخي غير مسبوقة، في إطار محاولات قوات النظام تحقيق تقدم في درعا البلد. وعلى الرغم من ذلك، أعلنت قيادة الأركان الروسية، أمس، في مؤتمرٍ صحافي، أن "الوضع الميداني في مناطق تخفيف التوتر تغيّر جذرياً، والحرب توقفت عملياً في سورية".

واللافت في معركة البادية هو توسع رقعتها لتشمل مناطق جديدة، بعيداً عن مناطق الاحتكاك السابقة الواقعة بين الجيب الذي تسيطر عليه قوات النظام شرق حمص في منطقة السبع بيار، وحاجز ظاظا ومنطقة التنف، على المثلث الحدودي السوري ـ الأردني ـ العراقي، حيث عملت قوات التحالف على توسيع مناطق سيطرتها، وأسقطت طائرة إيرانية من دون طيار في منطقة تقع خارج نطاق الـ55 كيلومتراً، التي حددتها في محيط التنف على أنها منطقة "منع تصادم"، وطلبت من قوات النظام السوري وحلفائه مغادرتها فوراً.

وقصفت الطائرة الإيرانية قبل إسقاطها بواسطة طيران التحالف، موقعاً لقوات التحالف يضم قوات أميركية وأخرى تابعة للجيش الحر (فصيل مغاوير الثورة) في قاعدة الزكف العسكرية، التي تبعد أكثر من 60 كيلومتراً شمال شرقي قاعدة التنف.



ووفقاً لبيان أصدره "مغاوير الثورة"، استهدفت الطائرة الإيرانية المعسكر بصاروخين، انفجر الأول داخله، دون وقوع إصابات أو خسائر، بينما تمكن مقاتلو الفصيل من إسقاط الصاروخ الثاني بواسطة المضادات الأرضية. وأضاف البيان أن "الطائرة واصلت تشكيل خطورة على مقاتلي فصائل المعارضة وقوات التحالف الدولي، فقامت طائرة تابعة للتحالف الدولي بإسقاطها".

من جهته، أفاد المتحدث باسم التحالف، رايان ديلون، بأن "طائرات التحالف استهدفت عربتين لقوات موالية للنظام السوري، شكّلتا خطراً على قوات التحالف، قرب قاعدة التنف الحدودية". وأشار إلى أن "التحالف أسقط أيضاً طائرة دون طيار، كانت تحلق بالقرب من قاعدة التنف التي توجد فيها قوات برية من التحالف"، موضحاً أن "هذه الغارة هي الثالثة ضمن سلسلة غارات تنفذها الولايات المتحدة، رداً على التهديدات التي تطاول قوات التحالف العاملة في التنف".



ورأى مراقبون أن "هذا التصادم يشير إلى سعي الولايات المتحدة لتوسيع منطقة منع التصادم باتجاه الشمال الشرقي، وصولاً إلى الحدود العراقية في محافظة دير الزور. وهو ما تجلى في إقامة قاعدة الزكف، التي يعدها التحالف لتكون نقطة متقدمة في عمق البادية يمكن استخدامها للتقدم نحو ريف دير الزور، حيث من المتوقع أن تكون المعارك الحاسمة هناك بعد معركة الرقة، والفائز فيها ستكون له الكلمة الفصل للسيطرة على الحدود الشرقية للبلاد. وهو ما يعني تهديداً لمشروع إيران الاستراتيجي القاضي بفتح طريق يصلها مع لبنان عبر الأراضي العراقية والسورية".

وبعد هذا الاستهداف الأميركي، وهو الثالث في غضون أقل من شهر، صدرت تصريحات عدة من قادة عدد من المليشيات الموالية لإيران تهدد الولايات المتحدة، وتؤكد أنها ستواصل تقدمها نحو التنف، وذلك في ظلّ غياب أي دور محسوس لموسكو في هذه المواجهات، على الرغم من الحضور الروسي القوي غير البعيد عن هذه المناطق، إذ تشارك طائرات روسية في دعم قوات النظام في معارك القلمون الشرقي مع فصائل الجيش الحر، ومعارك شرق تدمر مع تنظيم "داعش".

وقد تمكنت قوات النظام مدعومة من المليشيات الإيرانية والطيران الروسي، من السيطرة على تل دكوة وعدد من التلال المحيطة به، شرقي محطة تشرين الحرارية للطاقة الكهربائية في ريف دمشق الشرقي. وتسعى قوات النظام إلى إبعاد فصيلي "جيش أسود الشرقية" و"قوات أحمد العبدو" من منطقة بئر القصب المحاذية لتل دكوة جنوباً.

وبدأ الفصيلان معارك منذ 31 مايو/أيار الماضي، ضد قوات النظام والمليشيات الموالية في إطار معركة "الأرض لنا". وكانت قوات النظام قد سيطرت في مايو/أيار على منطقة العليانية والكتيبة المهجورة، في محاولة لمحاصرة قوات المعارضة في منطقة بئر القصب، ما دعا الأخيرة إلى القيام بهجوم معاكس سمته "الأرض لنا".



وكان فصيل "أسود الشرقية" قد سيطر على منطقة تل دكوة، بعد طرد تنظيم "داعش" منها منتصف مارس/آذار الماضي. واستهدفت طائرات حربية تابعة للنظام منطقتي بئر القصب وتل دكوة، فيما أسقط مقاتلو المعارضة طائرة حربية للنظام قبل ايام وأعلن مقتل قائدها.

في غضون ذلك، تسارعت وتيرة التقدم، الذي تحققه "قوات سورية الديمقراطية" (قسد) في مدينة الرقة، إثر تمكنها، أمس الجمعة، من دخول حي جديد من الأحياء الشرقية للمدينة، وهو حي صباحية. وذلك بعد الانتهاء من تمشيط حي المشلب، أول الأحياء، التي يخسرها تنظيم "داعش" داخل الحدود الإدارية لمدينة الرقة. وأفادت مصادر "قسد"، بأن "مقاتليها يخوضون اشتباكات عنيفة مع مسلّحي داعش في حي صباحية"، مشيرة إلى "مقتل 20 عنصراً من داعش، وتدمير عربتين مفخختين".

وفي الجهة الغربية للمدينة، أفادت مصادر "قسد" بأنها "أحبطت هجومين لتنظيم داعش باستخدام عربات مفخخة في حي الجزرة، وسط استمرار للاشتباكات العنيفة في المنطقة، كما تمكنت من تدمير مركز لإعداد تلك العربات المفخخة". وذكرت مصادر محلية أن "والي مدينة الرقة أبو جنات الجوفي، أُصيب وقُتل أحد مرافقيه، نتيجة قصف جوي استهدف مقره في الريف الجنوبي الشرقي".

وبدأت "قسد" هجومها على الرقة من ستة محاور، ثلاثة منها من الناحية الشرقية، ومحوران من الناحية الشمالية، ومحور واحد من الناحية الغربية. وتركزت عملياتها بشكل أساسي من الناحية الشرقية، في سياق محاولتها الوصول إلى مركز التنظيم في المدينة.

من جهتها، استهدفت طائرات التحالف الدولي فجر أمس الجمعة، مدينة الرقة بالفوسفور الأبيض المحرم دولياً، ما أسفر عن سقوط عشرات القتلى والجرحى. وذكرت صفحة "الرقة بوست" أن "طائرات التحالف شنت 20 غارة جويّة بالفوسفور الأبيض على حيي السباهية والجزرة غربي مدينة الرقة، ما أوقع 14 قتيلاً قضوا جراء قصف طيران التحالف صالة الحسون نت، في مفرق الجزرة غربي الرقة، إضافة إلى إصابة آخرين".



كما أفاد ناشطون بأن "آخرين قُتلوا أو جُرحوا جراء قصف مماثل استهدف شارع 16 في الحي ذاته، إضافةً إلى تدمير عدد من المحلات التجارية". ولفتوا إلى أن "طائرات التحالف شنت أكثر من 20 غارة جويّة بالفوسفور الأبيض على أحياء السباهية والجزرة والمشلب. كما استهدفت هذه الطائرات بغارات ليلية، البريد القديم داخل المدينة ما أدى لاحتراقه، فيما دمر مبنى الحرفيين الواقع جنوب المدينة على طريق الرقة ـ حلب. كما قصفت قوات قسد بالمدفعية حي القطار غربي المدينة ما أسفر عن تدمير فرن العنيزان وخروجه عن الخدمة".

وقال ناشطون إن "تنظيم داعش منع نحو 100 سيارة مدنية من النزوح خارج مدينة الرقة، هاربين من القصف والعمليات العسكرية". وأوضحوا أن "عناصر التنظيم أحرقوا بعض السيارات المحمّلة بالأثاث، فيما اعتقلوا عدداً من الأهالي واعتدوا على آخرين بالضرب". وكشف الناشطون عن "توقف الحياة في مدينة الرقة مع إغلاق معظم المحال التجارية، وصالات الإنترنت، بينما توقفت المياه والكهرباء والاتصالات بشكل كامل، وسط نقص كبير بالخضار وانعدام المحروقات". وطاول القصف أيضاّ محافظة دير الزور المجاورة، حيث قتل أربعة مدنيين وجرح آخرون، جراء قصف جوي لقرية جديد عكيدات، شرق مدينة ديرالزور.

وفي جنوب البلاد، استهدفت طائرات النظام أحياء مدينة درعا الواقعة تحت سيطرة المعارضة بـ"النابالم" الحارق المحرم دولياً، ما تسبب بسقوط قتلى وجرحى، واشتعال الأجزاء الشمالية من المسجد العمري في درعا البلد. وقال ناشطون إن "4 طائرات حربية تناوبت على قصف أحياء المخيم، طريق السد، والمنشية في مدينة درعا بالصواريخ والقنابل التي يحمل بعضها مادة النابالم الحارق، بالتزامن مع قصف المنطقة بعشرات الصواريخ من طراز (فيل)".

من جهتها، ذكرت فصائل "غرفة عمليات البنيان المرصوص"، أنها "أحبطت محاولة تقدم جديدة لقوات النظام في حي المنشية بدرعا البلد، وذلك في اليوم السادس للحملة العسكرية، التي تشنها قوات النظام ومليشيات إيران في تلك المنطقة".