تتركّز أعمال المخرج المسرحي التونسي ظافر غريسة في الفترة الأخيرة على حقوق يفتقدها الإنسان التونسي والعربي، حيث قدّم عرضين هذا العام يتناولان واقع السجن، في أحدهما أدّى السجناء كامل الأدوار في محاولة لتثبيت مقولة المواطن السجين، أي أن السجين يبقى مواطناً حتى وهو مسلوب الحرية".
"القربان" عنوان عمله الأخير الذي عُرض في "دار الثقافة ابن رشيق" في العاصمة تونس، ليعاد تقديمه في أكثر من عرض منتصف الشهر المقبل، ويأتي في سياق انخراط المخرج في العمل العام من أجل إلغاء عقوبة الإعدام، التي يُخصّص لإلغائها يوم عالمي في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر كلّ عام.
يختار صاحب "فوضى" عام 2071 (قلب رقم العام الحالي) زمناً لأحداث المسرحية، التي تدور في سجن النساء في مدينة منوبة، ابتدأت فيه التحقيقات في شكاوى التعذيب الممنهج داخله السنة الماضية، عبر طرح رؤية استشرافية للواقع التونسي في ذلك التاريخ، إذ يتقرّر حينها الاحتفال بيوم وطني لإنزال عقوبة الإعدام بدلاً من إلغائها.
"ثلاث سجينات تتقدّمن قرباناً في هذا اليوم، ويجّهزّن أنفسهن كما لو كان يوم زفافهن، ليتمّ نقلهن في موكب احتفالي إلى ساحة الحكومة في القصبة، لينفّذ فيهن حكم القتل لغسل ذنوب المجتمع تجاه الدولة، في قالب مسرحي يجمع الدراما والفكاهة"، يقول غريسة في حديثه لـ"العربي الجديد".
ويضيف صاحب "المتاهة": "رغم عدم تطبيق عقوبة الإعدام منذ عام 1992، فإن لا شيء يمنع من إنزالها متى أرادت السلطة ذلك، في ظل عدم استقرار سياسي، حيث لا تزال القوانين الحالية تجيز الحكم بها لكن المحكومين بالموت يسجنون حالياً مدى الحياة".
لم تتغيّر الأحوال مع إقرار الدستور التونسي الجديد عام 2014، فالفصل الثاني والعشرون ينصّ على أن "الحق في الحياة مقدّس، لا يجوز المساس به إلا في حالات قصوى يضبطها القانون"، ما يعني أن الإعدام لا يزال جزاءً يمكن اللجوء إليه في أية لحظة، بحسب غريسة.
تعتمد "القربان" على شواهد من الواقع، ومنها قصة مواطن تونسي حكم عليه بالإعدام سنة 2004 بتهمة القتل العمد، لكن أدلة جديدة ظهرت في القضية عام 2012 تؤكّد براءته، غير أنه لم تجر إلى اليوم إعادة محاكمته، ولا يزال يقبع في السجن وكان من الممكن أن يُعدم في أي لحظةٍ لو قرّرت السلطات ذلك.
سجناء ينتظرون موتاً قد يتحقّق، هكذا يبني غريسة عمله الذي يمزج العبث والقسوة بالسخرية، فيفترض أن الشخصيات يُحكم عليها بالموت لأسباب تافهة مثل قُبلة في الشارع العام، في إشارة إلى قضية مماثلة أثيرت منذ أسابيع في تونس وأصدرت المحكمة على "الجناة" حكماً بالسجن لأربعة أشهر ونصف، كما يلفت العرض إلى توّجه رسمي بتقليل القرابين كلّ عام تدريجياً، وهي مقولة رائجة لدى البلدان التي ترفض إلغاء الإعدام.
يُذكر أن العمل من أداء كلّ من مريم صوفي وضحى حرز الله ونفيسة بودالي، علماً بأن غريسة يستعد لعمل قادم حول العنف ضد النساء، وسيُعرض في الثامن من آذار/ مارس المقبل بمناسبة اليوم العالمي للمرأة.