أفضل ما قدمه الإنترنت للمواطن العربي هو اكتشافه حجم النصب والاحتيال وحقيقة سياسات أنظمة الفساد والاستبداد. فمثلاً، حين ذهب رئيس مجلس السيادة السوداني، عبد الفتاح البرهان لتقديم أوراق اعتماده للبيت الأبيض، بلقاء رئيس حكومة الاحتلال المأزوم انتخابياً وقضائياً، بنيامين نتنياهو، راح البعض يردد، بسذاجة وطعن بمطالب الحرية في السودان: "هذه هي ثوراتكم. تطبيع مع إسرائيل". ولكن، حرية الصحافة كشفت سريعاً دور معسكر الثورات المضادة، خصوصاً أبوظبي، بالدفع بالبرهان نحو مرض عربي مزمن: "لإرضاء البيت الأبيض يجب المرور عبر التطبيع"، ولتحقيق "رؤية ونرجسية الجنرال" أن يصير "سيد البلاد".
في تحالف "قبضايات" السياسة العربية مع صهر البيت الأبيض، جاريد كوشنر، ثمة كثير من نصب واحتيال أعمق، كشفت بعضه الكاميرات. فأثناء إلقاء الرئيس الفلسطيني محمود عباس خطابه، في الجامعة العربية، الرافض لـ"صفقة القرن"، كان وزير خارجية البحرين يومئ مؤيداً كلام عباس، مستغفلاً المتابعين بأنه كان السبّاق بإطلاقها من بلده، بعنوان "الازدهار الاقتصادي"، وتخصيص 50 مليار دولار لـ"صفقة القرن".
لقطة أخرى أفدح، في استلاب العقل، تمثلت في ظهور وزير الخارجية المصري، سامح شكري، في المؤتمر الصحافي، كأنه ضد الصفقة. فزعيم الانقلاب، عبد الفتاح السيسي، الذي قزّم دور مصر، سبق الجمع مؤيداً، أمام الرئيس دونالد ترامب ومستشاريه، في البيت الأبيض في 2017 بالقول: "فخامة الرئيس ستجدني داعماً وبقوة في تنفيذ صفقة القرن".
إذاً لا غرابة، في زمن ما فوق التطبيع، أن تجد الفلسطيني والأردني والسعودي نزلاء زنازين "سعودية محمد بن سلمان"، لتعبير بعضهم عن رفض التصهين وتعاطف مع فلسطين، فيما التعبير عن الأسرلة، ممارسة وشتماً بفلسطين وبقية العرب، يُصنف، كـ "حرية تعبير".
الشارع العربي، الذي انتفض مطالباً بالحرية، ويعتبر فلسطين عنواناً للكفاح من أجل الحرية والتحرر، وأنزل بداية ثورته العلم الصهيوني في القاهرة، ليس بالسذاجة التي يظنها مستشارو القبضايات. التشابه والتطابق بين معسكري الثورة المضادة وما يسمى "أنظمة ممانعة"، في الهرولة نحو الاحتلال، يعكس تماماً الاستبداد وأساليبه وتضامنه. فسفير حاكم قصر المهاجرين السابق في واشنطن، عماد مصطفى برفقة بشار الجعفري، لم ينقطعا عن لقاءاتهما بحاخامات التطرف الصهيوني ورجالات "آيباك". ويحضر أيضاً مسعى معمر القذافي، حتى اللحظة الأخيرة، في فتح قنوات مع الصهاينة، إيماناً من رهط المستبدين أن كراسيهم تُحفظ بالتحول إلى "عرب إسرائيل". ومقابل كل ذلك تخرج 4 أحزاب برلمانية في بلد صغير في أقصى شمال أوروبا، الدنمارك، لتعلن رفضها بوضوح "صفقة ترامب"، وداعية للاعتراف بدولة فلسطين ومقاطعة الاحتلال باعتباره "دولة أبرتهايد".