تتنقّل جولات القتال الطائفيّ في مدن لبنان. سنّة وشيعة وعلويون فرّقتهم السياسة والثورة السوريّة، فوقع الاقتتال وتبادل الرسائل الإقليمية في البلد الصغير. أخرجت جولات القتال المتعدّدة، فئة "نخبويّة" جديدة إلى العلن: "قادة المحاور". هم قادة المجموعات السنيّة المسلّحة التي تقاتل المجموعات الموالية للنظام السوريّ والمنضوية تحت لواء "قوى الثامن من آذار".
سطع نجم "قادة المحاور" في مدينة طرابلس، شمال لبنان، في الاشتباكات بين منطقتي "جبل محسن"، المؤيّدة للنظام السوري، ومنطقة "باب التبّانة"، المؤيّدة للثورة السورية. أصبح لزيّاد علوكي وسعد المصري وحسام الصبّاغ سلطة تفوق تلك الممنوحة لأجهزة الدولة في طرابلس. يقود كلّ منهم مجموعة مسلّحة تقدّر بالعشرات من شباب المنطقة العاطلين عن العمل، ويتقاسمون قيادة المحاور المتاخمة للجبل، كـ"الشعراني" و"الريفا" "ومشروع الحريري".
خلف سعد المصري شقيقه، خضر، في قيادة إحدى المجموعات، في حين منحت لحية حسام الصبّاغ لقب "الشيخ" له. استغلّ هؤلاء حالة الفراغ السياسيّ في المدينة ليصبحوا "نجوماً"، بدعم أمنيّ من بعض أجهزة الأمن المحليّة، فباتوا أصحاب السلطة الفعليّة في طرابلس.
يستفيد "قادة المحاور" من الغطاء الممنوح لهم من أجل تأمين السلاح لمجموعاتهم، ويستغلّون الدعم الشعبيّ، المُستمَدّ من قتالهم لـ"العدو" في جبل محسن، لتشكيل إمارات صغيرة خاصة بهم. حوّلتهم وسائل الإعلام المحليّة إلى نجوم، تفتح لهم الهواء وتستضيفهم. ضحك الجمهور على سذاجة طروحاتهم، لكنّهم حجزوا لأنفسهم مكانة في نشرات الاخبار. يتناقل الأهالي مقاطع مصوّرة لـ"بطولاتهم" في رمي القذائف وتهديد الآخرين، وصوراً أخرى لتصدّرهم المسيرات المطلبيّة داخل الأحياء الفقيرة.
8 "قادة محاور" في طرابلس
في طرابلس، ثمانية قادة محاور أو قادة عسكر. بدأ هؤلاء بالبروز بعد أحداث مايو/ أيار 2008، تاريخ الحسم العسكري الذي نفّذه حزب الله في بيروت ضد خصومه في حركة 14 آذار. أبرز هؤلاء "القادة": عميد حمود، وهو ضابط سابق في الجيش اللبناني، استقال من الجيش في مايو/ أيار 2008 استنكاراً لعدم مواجهة الجيش لحزب الله، وهو يدور في فلك قوى مارس/ آذار، ويتبع له ما بين 300 إلى 400 شاب، في مختلف أحياء طرابلس. لا يحمل هؤلاء سلاحهم، لكن مصادر عدّة تؤكد أن لدى حمود عدداً من المخازن. ويُركّز حمود عمله على مساندة الثورة السوريّة، باسم رئيس الوزراء الأسبق سعد الحريري شخصياً.
في المرتبة الثانية يأتي حسام الصباغ. هو سلفي، يملك الجنسية الأستراليّة، مُقلّ الظهور الإعلامي. يراوح عدد مسلحي الصباغ بين 150 و200 مقاتل، حاصلين على تدريب وتسليح جيّدين. لم يُشارك الصباغ، رسمياً، في أي اشتباك مع جبل محسن، إذ يُردّد دائماً مقولته الشهيرة: "هذه المعارك للاستنزاف وليس للحسم. سأشارك في معركة الحسم إذا اتُّخذ القرار بذلك". يُعدّ الصباغ من أكثر قادة المجموعات هدوءاً، وهو عمل على مساندة الثورة السوريّة، ويرفض التفجيرات الانتحاريّة أو الاعتداءات التي تستهدف العلويين.
في المرتبة الثالثة، يأتي سعد المصري، ويراوح عدد مسلحيه بين 150 و200 أيضاً، وهم مسلحون ومدربون بشكلٍ جيّد. يُردّد العديد من المسؤولين في طرابلس أن المصري ينال دعماً كبيراً من رئيس الحكومة السابق نجيب ميقاتي. وإلى جانب هذا الدعم، تقول هذه المصادر، إن المصري يفرض "الخوّات" على أصحاب المصالح التجاريّة في طرابلس. ينتشر مسلحو المصري في التبانة وسوق الخضار، وهو يملك، إلى جانب البنادق والرشاشات، مدافع هاون، وربما أكثر.
أمّا زياد علوكي، فينتشر مسلحوه، البالغ عددهم نحو 30، في سوق القمح والحارة البرانية في طرابلس. تشير المعلومات إلى أن علوكي يتلقى تمويله من مصادر سياسيّة وأمنيّة وعسكريّة عدّة، مثل اللواء أشرف ريفي وميقاتي وبعض الأجهزة، إلى جانب فرض الخوات. قبل أن يُصبح قائد محور، كانت لدى علوكي "بسطة بقدونس"، وهو يملك من السلاح، إضافة إلى البنادق، الرشاشات الثقيلة ومدافع الهاون وبنادق القنص.
وهناك أيضاً عامر أريش، وهو يعمل في محور البداوي، حيث كان يملك محلاً لتصليح إطارات السيارات. تقول المصادر الطرابلسيّة إن أريش يتلقى دعماً من الوزير السابق فيصل كرامي ومن ميقاتي ومن بعض الأمنيين. لدى أريش نحو 25 مسلّحاً، وهو يملك بنادق ورشاشات لكنه لا يملك مدافع هاون.
وفي بعل الدراويش، ينشط ملحم خلف، ومعه 20 مسلّحاً. الرجل محسوب على مسؤول في أحد أجهزة الاستخبارات اللبنانيّة، لدرجة أنه تولّى تنظيم العزاء عند وفاة والدة هذا المسؤول. لا يُمارس خلف "التشبيح"، ولدى عناصره رشاشات عادية وثقيلة.
أما في محور "الريفا"، فيُسيطر جهاد دندشي مع 20 مقاتلاً مزودين بالرشاشات العادية والثقيلة، وهو يتلقى دعمه من عميد حمود. علاقة جهاد دندشي سيئة مع تيار المستقبل، وتؤكّد مصادر عدة أن تمويله الأكبر يأتي من حزب الله.
ويُضاف إلى هؤلاء، بعض قادة المجموعات الصغيرة التي لا يتجاوز عدد أفرادها الخمسة مسلحين، لكن هؤلاء يُمارسون "التشبيح" والاعتداء على العلويين والمسيحيين فحسب.
تتسللّ هذه الظواهر اليوم إلى حيّ "الطريق الجديدة" في قلب بيروت. تشكّل المنطقة معقلاً رئيسياً للسنّة في العاصمة اللبنانية، وتجاور "الشيّاح" في الضاحية الجنوبيّة لبيروت، وتضمّ على أطرافها مخيّم "صبرا" للاجئين الفلسطينيين. في تلك البيئة الفقيرة، يبرز "قادة محاور الطريق الجديدة".
شهدت المنطقة في أيّار/ مايو 2012، اشتباكاً امتدّ لساعات بين مسلّحي رئيس "التيّار العربي"، شاكر البرجاوي، المؤيّد اليوم لحزب اللهّ، ومسلّحين محسوبين على تيّار المستقبل، على خلفيّة دعم البرجاوي للنظام السوريّ. نجح المسلحون يومها في إخراج البرجاوي من مركزه الرئيسيّ، لكنّه انتقل إلى داخل الأحياء الفقيرة قرب "المدينة الرياضية"، الملاصقة لـ"الطريق الجديدة"، استعداداً للجولة المقبلة. مرّ عامان وعاد صوت الرصاص، ودوّى صوت القنابل والقذائف الصاروخيّة بين الأزّقة في "الحيّ الغربيّ"، مع انتشار عشرات المسلّحين.
يقود هؤلاء المسلّحين شبّانٌ لبنانيّون وفلسطينيّون، يتقاسمون، كما في طرابلس، قيادة الأحياء. ينتشر المدعو "طارق ع" ومجموعته المسلّحة في شارع "الجزّار"، و"فؤاد ص" في منطقة "أبو سهل"، و"أبو فادي ب" و"أبو عمر ق" في منطقة "الحيّ الغربيّ التي شهدت الاشتباكات الأخيرة قبل أقل من أسبوع.
يتبدّل ولاء هؤلاء بتغيُّر الجهة الداعمة بالمال والسلاح. ينتهي بهم المطاف دوماً إلى حضن
تياّر المستقبل، الّذي لا يملّ من التكرار، وعلى الدوام، أنه لا يدعم أي مجموعة مسلّحة خارج إطار الدولة. يتناقل الأهالي أنباء تفريغ ذخائر وأسلحة في مستودعات المنطقة شهريّاً، ويقولون إن استخبارات الجيش و"شعبة المعلومات" في قوى الأمن الداخليّ، تتقاسم الرعاية الأمنيّة للمجموعات.
بين الخوف من "الآخر"، والخوف من سطوة المجموعات المسلّحة على الأحياء، تجيّر الدولة دورها الأمنيّ لقادة المحاور، ويجيّر السياسيون دورهم للمسلّحين. ويبدو الجميع مرتاحاً أمام هذا الواقع، إلا المواطن.