"فيسبوك" يراقب نفسه

26 ديسمبر 2016
+ الخط -
نقلة نوعية تلك التي أعلنتها إدارة "فيسبوك"، بتطبيق إجراءات جديدة للتحقق والاستوثاق من صدقية الأنباء التي تُنشر على صفحات مستخدمي الموقع، والتنسيق في ذلك مع مؤسسات إعلامية متخصصة.
إذن، سيصبح "فيسبوك" أبعد من مجرد وسيلة إعلام أو مصدر للأخبار، حيث سيكون محطةً لتلقي وتصفية (فلترة) الأخبار في أثناء تبادلها بين المستخدمين. ولن يعتمد على مراسلين ومنتجي أخبار يعملون لحسابه، وإنما على الأخبار التي يتناقلها مستخدمو الموقع فيما بينهم. بينما يكتفي "فيسبوك" بالتأكّد من حقيقتها ووثوقيتها، في حالة تشكيك المستخدمين في المحتوى الإخباري.
معنى ذلك أن الاعتماد على المواقع الإخبارية التقليدية سيتراجع، وربما يختفي كثير منها خلال فترة وجيزة. وسيُحجم مستخدمون كثيرون عن عرض أخبار على صفحاتهم، تجنباً لعقوبات قرّرتها إدارة "فيسبوك" على من يبث محتوى إخبارياً غير صحيح، أو مجهول المصدر. بالتالي، ستظهر على "فيسبوك" صفحات متخصصة في "تجميع" الأخبار ونقلها، وتعود الصفحات الشخصية لتركز على التفاعلات الاجتماعية والنقاشات العامة، بما فيها السياسية التي تتناولها الأخبار. تطور موقع "فيسبوك" من مجرّد شبكة تواصل اجتماعي بين أعضائها إلى ساحة للنقاش والتفاعل الإنساني والسياسي. ومن إقامة اتصال أو رابطة بسيطة بين فردين إلى تنظيم ثوراتٍ وإحداث تغيير على نطاق واسع، غير أن هذا التطور الهائل في الانتشار وطبيعة الدور لم يصاحبه تطور مكافئ في القواعد الحاكمة، وفي ضوابط استخدام صفحات "فيسبوك" وفيما بين أصحابها، فعلى الرغم من أن مليار وسبعمائة مليون شخص يتابعون الأخبار من خلال "فيسبوك"، لا توجد ضوابط أو إجراءات تضمن صحة المعلومات أو الأخبار التي يتبادلها مستخدمو الموقع. وكثيراً ما تتم إثارة الرأي العام أو توجيهه في اتجاه معين، من خلال بث أنباء غير موثقة، وأحياناً روايات مفتعلة أو وقائع لها دلالات سياسية مثيرة. كما تنشط اللجان الإلكترونية التابعة لأطرافٍ سياسية، حكومية أو معارضة، للتعامل مع الحراك السياسي الدائر والتحكم عن بعد في جموع المستخدمين، لمنع تحرك سياسي أو دعمه، شعبياً كان أو نخبوياً.
لذا سيضطر مارك زوكربرغ إلى خوض مواجهاتٍ كثيرة مع مختلف أنواع المستخدمين والصفحات في دولٍ كثيرة، فالتمييز بين الأخبار الحقيقية والكاذبة، أو على الأقل "غير المؤكدة"، لن يقتصر على الصفحات الشخصية، أو غير الرسمية، فتطبيق قاعدة تحرّي الدقة والحقيقة لن يستثني الأخبار والمواد التي ستبثها حسابات وصفحات تابعة للحكومات ومؤسساتها، سواء كانت الصفحات الرسمية المعلنة، أو التابعة للحكومات وأجهزتها لكن تدار بواسطة أفراد. وستكون تلك الصفحات مطالَبة بتحرّي الدقة فيما تبثه من مواد، أخباراً وتعليقات، وأن تستعد لتقديم إثباتات ودلائل على صحة المحتوى، وتوثيقه بمصادر تحظى بثقة المستخدمين. أي أن دقة كل صفحات "فيسبوك" وصدقيتها، شخصية أو عامة، رسمية أو غير رسمية، منسوبة لأصحابها أو بأسماء مستعارة، ستكون موضع اختبار مستمر ورقابة متجدّدة، ليس فقط من إدارة "فيسبوك"، بل أيضاً بواسطة جموع المستخدمين أنفسهم. أي ستكون هناك عملية مراقبة متبادلة وعامة من الجميع على الجميع. وعند تَشكّك أي مستخدم لـ "فيسبوك" في محتوى معين، ليس عليه سوى إبلاغ إدارة الموقع لتتولى بدورها عملية الاستوثاق والتحقق. وفي هذه الحالة، لن يكون في وسع زوكربرج أو غيره تجاهل اعتراضات مستخدمين كثيرين على محتوى معين. ستكون هذه الرقابة الجماعية بمثابة ظهير داعم لإدارة "فيسبوك" في مواجهة أي ضغوط أو اتهامات بنشر خبر كاذب أو محتوى مُضلل أو هدام. وفي المقابل، على من يستخدم "فيسبوك"، أياً كان، أن يتحرّى الدقة فيما يكتب أو ينقل. وألا يتهم أي صفحة بالكذب أو إثارة الفتنة والتحريض، من دون أدلة مُقنعة لإدارة "فيسبوك" ولجموع المستخدمين.
58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.