اعتبرت مجلة "فوربس" الأميركية أن الجهود الدبلوماسية التي بذلتها دولة قطر من أجل احتواء تداعيات الحصار الاقتصادي والسياسي الذي فرضته عدد من الدول المتحالفة معها سابقا، بدأت تؤتي أكلها، وذلك في ظل تحول في الموقف الأميركي في الوقت الراهن من خلال التركيز على دعم الدوحة، ودعوة جميع الأطراف إلى التوصل إلى تسوية.
وتفرض كل من السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى مصر حصاراً برياً وجوياً على قطر منذ الخامس من يونيو/ حزيران الماضي، إذ قطعت الدول الأربع علاقاتها الدبلوماسية مع قطر وطلبت من المواطنين القطريين مغادرة أراضيها خلال أربعة عشر يوماً، متهمة قطر بتمويل الإرهاب، وهو ما نفته الدوحة، وأكدت أن الإجراءات المتخذة من قبل دول الحصار تستهدف سيادتها واستقلالها.
واستحضرت "فوربس" في هذا السياق أن قطر لم تقف فقط عند حد دحض الاتهامات، بل سارعت إلى تقوية علاقاتها مع بلدان أخرى بالمنطقة كإيران وسلطنة عمان وتركيا، ومن خارج المنطقة بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية.
واعتبرت المجلة الأميركية أن تلك الجهود أعطت ثمارها، لاسيما من خلال الحوار الاستراتيجي القطري الأميركي الذي عقد بداية هذا الأسبوع بواشنطن مع كبار المسؤولين بالإدارة الأميركية، وأشاد خلاله هؤلاء المسؤولون بعمق العلاقات التي تجمع البلدين.
ونقلت المجلة الإشادة التي جاءت على لسان وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، بشأن عمق العلاقات الثنائية، حين قال في افتتاح مؤتمر الحوار الثلاثاء الماضي: "قطر شريك قوي وصديق للولايات المتحدة منذ فترة طويلة. نحن نقدر العلاقات الأميركية والقطرية ونأمل أن تعمق المحادثات اليوم علاقاتنا الاستراتيجية".
وخلال مؤتمر الحوار الاستراتيجي، أعلنت الدوحة وواشنطن التوقيع على ثلاث وثائق تضمّنت التأكيد على ترسيخ العلاقات الاستراتيجية بين البلدين في كافة المجالات الحيويّة، ومواصلة الجهود المشتركة على صعيد حماية أمن المنطقة واستقرارها.
وبحسب ما تنقله "فوربس" فإن وزير الدفاع الأميركي، جيمس ماتيس، وصف خلال الاجتماع نظيره القطري، خالد بن محمد العطية، بـ"الصديق"، مشيرا إلى التعاون العسكري القائم منذ مدة طويلة بين البلدين. وذكر مقال في هذا الصدد أن قطر عرضت على الجانب الأميركي توسيع قاعدة العديد الجوية، وهي المركز الإقليمي لسلاح الجو الأميركي، وتستضيف 11 ألف جندي أميركي. كما تعززت هذه الشراكة من خلال المعدات الدفاعية الأميركية التي تقتنيها دولة قطر.
من جانب آخر، قالت "فوربس" إن النجاحات الدبلوماسية لا ترتبط فقط بالولايات المتحدة الأميركية، بل تشمل أيضا باقي اللاعبين الدوليين، بمن فيهم القوى الأوروبية الكبرى، التي مالت للاصطفاف خلف جهود الوساطة التي تقودها دولة الكويت لحل الأزمة. واعتبرت المجلة أنه رغم عدم تحقيق تلك الجهود لأي اختراق لحد الساعة، إلا أن تلك الدول أبانت عن عدم رغبتها في الظهور بمظهر الطرف المنحاز لجهة على حساب الأخرى.
إزاء ذلك، أشارت "فوربس" إلى أن رد فعل دول الحصار تمثل في التصميم على عدم حل الأزمة وجعلها تطول مهما استغرقت، موضحة أن رباعي الحصار تعامل بحذر لجهة عدم توجيه أي انتقادات لجهود الوساطة التي تلعبها الكويت أو الولايات المتحدة الأميركية، مقابل انتقاد أي تدخلات أخرى مع التقليل من شأن أي تصريحات سياسية للدوحة وعدم وضعها في عين الاعتبار.
التحول بموقف ترامب
أما فيما يخص موقف الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فيرصد مقال "فوربس" تحولا لافتا على امتداد أشهر الأزمة، معتبرا أن التحول الذي طرأ كان أحد العوامل المهمة بالنسبة لقطر ضمن جهودها لحشد الدعم الدولي. وأوضحت "فوربس" في هذا الصدد أن الرئيس الأميركي بدا في الأول كأنه يدعم الإجراءات التي اتخذت ضد قطر، التي انطلقت بعد وقت قصير على الزيارة التي أجراها إلى الرياض. وكتب في تغريدة شهر يونيو/ حزيران الماضي: "خلال زيارتي الأخيرة للشرق الأوسط، أعلنت أنه لا يمكن أن يستمر تمويل الفكر المتطرف. وأشار الزعماء إلى قطر".
"فوربس" لفتت إلى أنه طرأ تحول في الآونة الأخيرة وبأن واشنطن أصبحت تشيد بدور دولة قطر في مجال مكافحة الإرهاب، بما في ذلك اتصال هاتفي أجراه ترامب مع أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، منتصف الشهر الماضي. وأشاد ترامب خلال الاتصال بالدور الذي تلعبه قطر في مكافحة الإرهاب، كما تناول تطورات الأحداث الدولية، ومستجدات الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط. وقال البيت الأبيض إن ترامب وجه الشكر لأمير قطر على اتخاذ "إجراءات لمكافحة الإرهاب والتطرف بكل أشكاله، بما في ذلك كون قطر إحدى الدول القليلة التي مضت قدماً على صعيد توقيع مذكرة تفاهمٍ ثنائية".
لكن "فوربس" أشادت أكثر بالدور الدبلوماسي الكبير الذي لعبه وزير الخارجية الأميركية من أجل حل الأزمة، وأضافت أن التصريحات الصادرة من واشنطن في الأيام الأخيرة تشير بشكل واضح إلى أن الإدارة الأميركية ترغب في حدوث انفراجة في الأزمة في القريب العاجل، بغض النظر عن المطالب التي تفرضها الرياض وأبو ظبي على الدوحة.
وأضاف المقال أن تيلرسون قال الثلاثاء الماضي في كلمة موجهة على ما يبدو إلى رباعي الحصار: "مع مضي ثمانية أشهر على الأزمة الخليجية، لا تزال الولايات المتحدة قلقة كما في البداية. فالأزمة لها تداعيات اقتصادية وعسكرية مباشرة على كل المنخرطين فيها، بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية. نحن قلقون من الخطابات والبروبغندا التي يتم استخدامها بالمنطقة، والتي تظهر بشكل يومي على وسائل التواصل والمواقع الاجتماعية. من الأهمية أن تحد جميع الأطراف من تلك الخطابات، وتضبط النفس وتتجنّب التصعيد، وتعمل من أجل التوصل إلى تسوية".