في زحمة أجنداتهم، يستطيع الساسة الفرنسيون، حين يشاؤون، أن يعثروا على الوقت الكافي لمشاهدة مسرحية لبرنار هنري ليفي، الذي يسمّيه كثيرون، أفراداً ووسائل إعلام، "المثقف الميديوي". هذا ما حدث لرئيس الجمهورية فرانسوا هولاند، ورئيس الوزراء مانويل فالس، ورئيس الجمهورية السابق نيكولا ساركوزي. وإذا كانت مسرحية هنري ليفي "فندق أوروبا" تعاني فتوراً في الإقبال الجماهيري، الذي يعرف منذ عقود مواقف الرجل.
وعلى الرغم من تصدي الممثل الفرنسي الكبير، جاك فيبر، لأداء الدور الرئيس والأوحد في المسرحية، من خلال شخص يغلق الباب على نفسه في غرفة في فندق في ساراييفو من أجل تدبيج خطاب عن أوروبا ومستقبلها، فقد جاء حضور هذه الشخصيات العامة لتمنح نوعاً من التسويق للمسرحية، التي تحدثت عنها كل المجلات والصحف الفرنسية، بشكل يكشف عن سيادة الرأي الواحد وسطوة الإعلام المتحيز.
اختار برنار هنري ليفي مدينة ساراييفو، التي ارتبط بصداقة مشبوهة مع رئيسها الراحل عزت بيكوفيتش، الذي كان يجهل الكثير عن مواقف "الفيلسوف" عن فلسطين وشعبها ولاجئيها، للتغطية على مواقفه المريبة.
ولم يكن غريباً أن يُقْدِم هؤلاء الساسة على زيارة مسرح "لاتوليي"، الموجود في الدائرة الباريسية الثامنة عشرة، الذي تُعرض فيه المسرحية. هناك، تختلط السياسة بالمسرح بشكل مباشر وفج. وليس الأمر غريباً، لأن ليفي، الذي يصر دائماً على التذكير بأنه يساريّ، أي قريب من الحزب "الاشتراكي"، وخاصة الجناح الليبرالي المتصهين منه، كان مرتاحاً لمواقف الرئيس هولاند الأخيرة أثناء عدوان إسرائيل على غزة، كما أنه كان واقفاً خلف مانويل فالس وهو يعلن في تظاهرة متضامنة مع يهود فرنسا في ساحة تروكاديرو الباريسية عن أخطاء مدوّية، منها أن "معاداة إسرائيل" نوع من معاداة السامية وأن معاداة الصهيونية هي الأخرى معاداة للسامية.
ولأن الصهيونية لا تعرف يميناً ولا يساراً، أعلن ليفي، أثناء عودة ساركوزي للسياسة، أن هذا الأخير هو صمام الأمان الأوحد في وجه حزب مارين لوبن اليميني المتطرف.
لا يمكن لأحد أن يوقف فالس حين ينفعل، وهذه المرة نسي أنه يشاهد مسرحية، فما إن انتهت حتى صعد الخشبة، كأنما يُكمل مَشهداً غفلت عنه المسرحية، ودان "صعود الشعبوية ومعاداة السامية في فرنسا". هو فالس نفسه الذي كان، قبل العام 2006، مؤيداً للقضية الفلسطينية، وبحماسة، حتى أنه زرع شجرة زيتون في وجه الصهاينة.