ربّما يكون التعبير الفنيّ الأوّل، المحترف، الذي يتصدّى لداعش بطريقة غنائية. الأغنية الجديدة عنوانها: "مدد مدد"، وهي تردّ على إرهاب "الخليفة" أبو بكر البغدادي بكلمات ساخرة (مرفق الفيديو).
"مدد مدد يا سيدي، أبو بكر البغدادي، يا حاكم بأمر الله، يا ناصر لشرع الله، يا سايق عباد الله، على هاوية ولا بعدها هاوية"، تبدأ الأغنية، في حفل بعنوان: "لا بومب"، أي "القنبلة" باللغة الفرنسية، وهو حفل يحمل رسالة سياسية اجتماعية واضحة، كما لو أنّه يرمي القنابل على داعش وعلى المتطرّفين الإسلاميين في لبنان وسوريا والعراق والعالم العربي كلّه.
الأغنية انتشرت اليوم منذ الصباح الباكر على وسائل التواصل الاجتماعي، بعد ساعات من الحفل، كما لو أنّها تعلم شوق الناس إلى أغنيات تردّ على الإرهاب، وتقول في مقطعها الثاني: "وعشان لا إكراه في الدين، فلنقضي عالمرتدّين، والشيعة والسنّيين، والنصارى، يا خسارة".
هكذا، بكلمات بسيطة وبلحن جميل وعلى إيقاع سريع، يلخّص ستة شباب الأزمة التي يمرّ بها العالم العربي بسخرية لاذعة: "الحشمة من الإيمان والفتنة من الشيطان، وانا والله لو كنت بقرة، لكنت والله ألبس سوتيان"، في إشارة إلى الفتوى التي أصدرتها داعش بضرورة ستر عورات البقر.
الفرقة بدأت رحلتها في العام 2013، لكن لأعضائها تجارب سابقة، إذ جمعتهم فرقة "صدى" وفرقة "ربيع بيروت" وفرقة "سهرتُ" وغيرها. وكان عرضها الأوّل العام الماضي، وأمس الثلاثاء، 19 أغسطس/ آب الجاري، بدأت سلسلة عروضها الجديدة في مترو المدينة ببيروت. "عروض هذا الموسم، الثاني، ستكون أقرب إلى الواقع اليومي في بلدنا والمنطقة العربية كلّها"، يقول خالد صبيح، كاتب الأغنية وملحّنها، في حديث لـ"العربي الجديد".
إلى الكاتب والمؤلّف خالد صبيح، تتألّف الفرقة من نعيم الأسمر وساندي شمعون، اللذين شاركاه في الكتابة والتلحين. ونعيم هو مهندس معماري ويغنّي منذ سنوات أغاني كلاسيكية عربية لمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم. أما ساندي فهي ممثلة ومغنية، عملت في فرقة خاصّة بها تؤدّي أغاني الشيخ إمام. وساندي ونعيم هما المغنيّان المنفردان في "مدد مدد" وفي الأغاني الأخرى التي ستنشرها الفرقة على صفحتها الفايسبوكية خلال أيّام. ويرافقهم على آلة العود عماد حشيشو، وعلى البزق عبد قبيسي، وعلى الإيقاع علي الحوت. "الفرقة كلّها لها بصمة في الإخراج النهائي، فنحن نعمل بروحية الفريق"، يقول صبيح.
تبدو الأغنية جريئة جداً في زمن قطع الرؤوس، لكن مَن يعرف خالد يعرف أنّه ليس ضدّ الإسلام، : "الأغنية تنتقد الفصائل التي تقطع الرؤوس باسم دين الرحمة، الإسلام، وتشوّه الآية الكريمة التي تقول: لا إكراه في الدين. وتقتل على أساس منع الاختيار الديني"، يقول خالد.
ويؤكّد أنّه أيضاً يقف "ضدّ الموجة التي تنتقد داعش وتلصق أفعالها بالإسلام كلّه، فهناك مجتمعات دينية كثيرة تذهب باتجاه التصوّف أو التطرّف ولا تقتل باسم الدين. فالتعميم إذاً، مؤذٍ سواء أتى ممّن هم إلى جانب داعش ومعها، أو من بعض الذين ضدّها أيضاً".
لكن لماذا يغنّي شبّاب لبنانيون باللهجة المصرية. الإجابة بسيطة: خالد نصفه مصري، لجهة الوالد، ووالدته لبنانية، لكنّه يحمل الجنسية اللبنانية منذ العام 1985. ويختصر إجابته بجملة ذكية جداً: "لنكن صريحين: المطبخ اللبناني هو الأطيب والكلام المصري هو الأحلى".
الفرقة قدّمت أغنيات أخرى في الحفل، وكلّها تخلط اللحن بالسخرية بالنقد اللاذع بالسياسة والاجتماع. فكانت أغنية "وتفجّرت عبوة" التي تتحدّث عن تفجيرات شهدها لبنان خلال السنوات الأخيرة "حيث يموت مدنيون ليس مهمّاً إذا ماتوا، فتعتبر وسائل الإعلام أنّ الانتحاري فشل رغم أنّه قتل 50 مدنياً، فقط لأنّ لا أحد من السياسيين أُصيب بأذى". ثم تعرّج الأغنية على البراميل التي تلقيها طائرات النظام السوري على المدنيين السوريين، لتصل "إلى منتهى الهزل حين تعاطت السلطات المصرية بخفّة مع كذبة التوصل إلى علاج للإيدز".
وقدّمت الفرقة أغنية "كلّ يوم منذ الأزل"، التي من كلماتها: "كلّ يوم منذ الأزل، نازل غضب الله علينا، يا ريت توصفلي ازّاي كلّ يوم لك نصر جديد؟"، وهي تنتقد "تاريخنا منذ 1500 سنة، الذي تمزق على أبواب الهزائم، فيما تحقّق الفصائل والأحزاب انتصارات مجيدة!".
وكانت أغنية عن إرهابي فرنسي يسأل أين يمكن أن يزرع عبوة من دون أن يزعج أحداً، واختتم الحفل بأغنية "قمت طلعت مع الناس"، التي تتحدّث "عن بداية الاحتجاجات بعد 50 سنة قهر وظلم وتفتيش وشاويش، وكيف بدأ الربيع العربي، وكيف واجهته الأنظمة بظلم وبطش وقتل يومي واتهام للناشطين والمعارضين بالتآمر، ثم فقد الناس عقولهم، فأنتج القمع حركات متطرّفة كردّ فعل على الظلم المضاعف".
من كلماتها: "قمت طلعت مع الناس، المكسورين الراس، المتعوسين من سنين، والمطحونين من ييجي ألوف أعوام، طويلين، لئيمين، خطابات وفجوع وتفتيش، وشاويش يكتم على نفس الأحياء، منّا وكذلك من مات، فيها ما كنّاش قادرين، نفتح بقّ في كلمة ولا ف عيش، ولا ف جيش، ولا قائد أعظم قراقوش... قمنا تعبنا وقرفنا، وفَجَرْنَا، وصرخنا آه".
هكذا ينحاز صبيح وفرقته إلى الناس الذين تحوّلوا إلى متطرّفين، وينتقد التطرّف والداعشية في الوقت نفسه، معلناً الحرب على داعش، من دون شتم الإسلام، ومن دون الانحياز إلى نظام البراميل.