لا أحد كان يتصوّر تحوّل حملة "فاش نستناو؟" (ماذا ننتظر؟)، التي انطلقت للتنديد بغلاء المعيشة ورفضاً لقانون المالية (الموازنة) لعام 2018، إلى تظاهرات وغليان شعبي وأحداث استغلها البعض للقيام بالسرقة والنهب وتخريب المؤسسات العامة والخاصة. كما اعتقلت قوات الأمن التونسية العديد من الناشطين المشاركين في الحملة، التي وجدت مساندة من أحزاب معارضة وبعض المنظمات والمدونين المعروفين. وعلى الرغم من أن هذه الحملة لم تكن الوحيدة في تونس، إذ سبقتها طيلة الأعوام السبعة الماضية، تحركات احتجاجية واعتصامات عدة، مثل اعتصام الكامور بالصحراء التونسية بين 23 إبريل/ نيسان 2017 و16 يونيو/ حزيران من العام عينه، للمطالبة بالعمل والتنمية. كذلك حملة "ماناش مسامحين" (لن نسامح) احتجاجاً على قانون المصالحة، و"وينو البترول" (أين البترول) للمطالبة بالكشف عن حقيقة الثروات الطبيعية، إلا أنه يبدو أن هذه الحملة كانت الأكثر إثارة للجدل، وذكّرت بعض التونسيين بأحداث يناير/ كانون الثاني 2011.
وعرفت حملة "فاش نستناو" التي أطلقها ناشطون في 3 يناير الحالي، انتشاراً كبيراً، ورافقتها تظاهرات عدة، تلبية لدعوات منظميها وأغلبهم من الشباب، ورُوّج أن من بينهم من ينتمي إلى "الجبهة الشعبية اليسارية". وأكد الناشط في الحملة، وائل نوار، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحملة اختارت يوم 3 يناير لتنظيم أول احتجاجاتها بشارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة، كونه ذكرى انتفاضة الخبز". وبيّن أن "هذه الحملة تهدف إلى إسقاط قانون المالية، نظراً لانعكاساته الكبيرة على المواطن والتي ظهرت في زيادة الأسعار، وستظهر لاحقاً العديد من التبعات الأخرى، كإيقاف الانتدابات في المؤسسات العمومية وزيادة الضرائب، وعليه جاءت حملة فاش نستناو؟".
وكشف أنهم "فوجئوا بالشيطنة التي شملت حملتهم والانفلات الكبير الذي حصل من سرقة وحرق" في بعض التحركات، معتبراً أن "ما حصل تحوم حوله نقاط الاستفهام، ما أساء إليهم وشوّه تحركاتهم السلمية". وأكد أن "الحملة ستتواصل في إطارها السلمي والعفوي وسيتم تنظيم تحركات جهوية، اليوم الجمعة، في المحافظات التونسية، يليها تحرّك وطني أمام إحدى الوزارات السيادية".
وأضاف نوار أنهم "لا يدينون الشباب الذي يحتج حتى في الليل، شرط أن تكون الاحتجاجات سلمية ومن دون سرقة وحرق وتخريب، ونحن ندعمهم وندعوهم للتظاهر نهاراً". واعتبر أن أكثر ما لفت انتباههم "ترويج البعض للاتهامات نفسها التي كان يروّجها نظام (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي، من ملثمين ومخربين وعصابات مأجورة، في الوقت الذي كان يجدر فيه مراجعة قانون المالية ووضع قانون عادل".
بدوره، اعتبر الناشط في الحملة حمزة عبيدي، في حديثٍ لـ"العربي الجديد"، أنّ "الحملة جاءت في إطار الحملات السابقة المنددة والرافضة لمشاريع القوانين غير المتماشية مع تطلعات الفئات الشعبية بل مع مصالح فئات ضيقة"، مبيناً أن "هدف الحملة الأساسي هو إسقاط قانون المالية لسنة 2018". وأضاف أنّ "الحملة تختلف عن بقية الحملات السابقة لأنها مفتوحة لكل الجهات السياسية والأطراف التي تتبناها، ولكن لكل جهة خصوصياتها وأساليبها الاحتجاجية الخاصة"، لافتاً إلى أن "الحملة قد تتكون من جميع الأحزاب والجهات التي ترفض قانون المالية".
وتابع عبيدي قائلاً إنه "في كل فترة من شهر يناير تشهد تونس تحركات احتجاجية على الأوضاع الاجتماعية وعلى البطالة والتهميش، والبعض قد يستغل ما يحصل لتشويه الاحتجاجات السلمية"، مشيراً إلى أن "البعض يحاول استغلال أحداث الشغب التي تحدث في تونس ليلاً لتشويه الحملة وأهدافها". وأشار إلى أنهم "يتفهمون بعض الأحداث التي حصلت في بعض الجهات لأنها تأتي كرد فعل من الجهات المهمشة على العنف الذي يمارس ضدهم".
وأوضح أنه "يجب التمييز بين المطالب الاحتجاجية وبين ما يحصل ليلاً من عمليات تخريب لا علاقة له بما يعرف بالحركات الشعبية الاحتجاجية"، معتبراً أنّ "الحركات الاجتماعية لا تخرب ولا تستهدف شركات مالية ولا تسرق، بل تحتج أمام مقرات السيادة والمحافظات، وتريد إيصال رسالة معينة، بينما ما يحصل اليوم ليلاً، هي حركات إجرامية". وأشار إلى أنّ "بعض التحركات الاجتماعية تقف وراءها أحزاب سياسية تتبنّى بدورها خطاباً اجتماعياً، كما تفعل الجبهة الشعبية وحركة الشعب"، معتبراً أن "فاش نستناو، وما سيعقبها من حملات في الأشهر المقبلة، لا تعدو كونها سباقاً انتخابياً مبكراً، ووراءه أحزاب بدأت تستبق الأحداث كنوع من الدعاية السياسية لها".
مع العلم أنه تمّ تنظيم حملة "موش على كيفك" (ليس على مزاجك)، والتي تضم أعضاء من حملة "ماناش مسامحين"، والتي دعت إلى سحب مشروع قانون منع الاعتداءات على القوات المسلحة في تونس. كما أن "حملة وينو البترول بدأت إثر تشكيك أطراف عدة في الأرقام التي قدمتها الحكومة حول إنتاج البترول"، مشيرة إلى "وجود نهب لثروات البلاد، من بترول وفوسفات وكل الثروات الأخرى".