"عيد الشكر" عيد عابر للأديان والقوميات في الولايات المتحدة، لكنّه ليس عيداً سعيداً بالنسبة للسكان الأصليين
يجتمع الملايين من الأميركيين حول المائدة، مساء اليوم الخميس، للاحتفال بـ"عيد الشكر". قد يكون أهم الأعياد الأميركية على الإطلاق. فيه يلتهم مواطنو الولايات المتحدة نحو 45 مليون ديك رومي، بالإضافة إلى اليقطين والأجبان والبطاطا.
تقول الرواية الأميركية الرسمية إنّ جذور الاحتفال بـ"عيد الشكر" تعود إلى عام 1621 مع وصول المهاجرين البريطانيين إلى القارة الأميركية بحثاً عن مكان آمن، بعد اضطهاد الكنيسة الإنجليزية لهم. ولأنّ الرحلة طويلة وشاقة مات كثيرون منهم، بينما وصل الناجون إلى شواطئ ولاية ماساتشوستس (حالياً)، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني. هناك أنقذهم السكان الأصليون (الهنود الحمر) الذين يقطنون في تلك المنطقة، وعلموهم مهارات البقاء. وبعدها، قرر هؤلاء "المهاجرون" تقديم الشكر للسكان الأصليين، فدعوا بعضهم إلى مأدبة وتشاركوا الطعام والاحتفال سوياً. وعام 1863 أقر الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن هذا اليوم كعيد قومي للشكر، يحل في آخر خميس من شهر نوفمبر.
لكنّ هذه الرواية لا تتحدث عمّا حل بالسكان الأصليين من مجازر، بل عن المستعمرين الأوروبيين كمهاجرين، لا كمحتلين ومؤسسين لنظام استعماري رد الجميل للهنود الحمر بالمجازر.
في المقابل، يعتبر الكثير من شعوب السكان الأصليين هذا اليوم ذكرى حداد. ويقيم هؤلاء مسيرات ومراسم مختلفة في ماساتشوستس وولايات ومدن أخرى، كما يدعون إليها المتضامنين. يؤدي السكان الأصليون فيها خطابات يقدمون من خلالها عادة مجموعة من المطالب.
يلعب "عيد الشكر" في الرواية الأميركية الرسمية دوراً مهماً وجذرياً في أسطورة تأسيس الولايات المتحدة وفهم النظام الأميركي الرأسمالي. وهو ما تؤكده، لـ"العربي الجديد"، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة "رتغرز" في نيوجيرسي، مايا مكداشي. تقول: "الرواية الرسمية عبارة عن أسطورة قومية لتأسيس الولايات المتحدة، يغيب فيها الحديث عن مستوطنين. بل تأتي فقط على ذكرهم كحجاج هاربين من بطش الكنيسة الإنجليزية. وإذا نظرنا إلى التوقيت الزمني، فإننا نتحدث عن بداية القرن السابع عشر حيث تغيب قصص وحوادث المذابح التي اقترفها المستعمرون الأوروبيون بحق السكان الأصليين".
يعتبر "عيد الشكر" من أهم الأعياد كذلك، لأنه لا يقترن بدين أو قومية معينة، وهو ما تفتخر به وزارة الخارجية والمؤسسات الرسمية.. أي أنه عيد قومي لجميع الأميركيين. ومع ذلك، فهو يمثل بالنسبة للسكان الأصليين "احتفالاً" بنكبتهم. ويتعلق من جهتهم بأديانهم وأعراقهم التي استبيحت. لكنّ رواية هؤلاء غائبة عن الرواية الرسمية، ولا يأخذها مجتمع الأغلبية بعين الاعتبار.
تقول مكداشي إنّ الأمور لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ومنها العامل الاقتصادي/ الاستهلاكي القوي والرئيسي في العيد، الذي تصفه بآلة لدرّ الأرباح، فالمتاجر الأميركية في اليوم الذي يلي العيد، المعروف باسم "الجمعة السوداء"، تقدم أكبر تخفيضات تجارية خلال العام.
أما عن احتفال الكثير من المهاجرين الجدد في الولايات المتحدة بهذا العيد على اختلاف أصولهم، فتقول مكداشي: "الكثير من المهاجرين يحتفلون به كعلامة على أميركيتهم، وتأكيداً على انخراطهم في المجتمع الأميركي". وتضيف: "إذا أخذنا كل هذه الأمور مجتمعة، فإنها تلخص ما ترمز له الولايات المتحدة اليوم من قومية ونظام رأسمالي شرس".
أما عن غياب مسألة المجازر التي ارتكبت بحق السكان الأصليين عن الرواية الرسمية، فتقول: "يتم الحديث عن المجازر والاستعمار والاستيطان وكأنها أمور بعيدة ولا علاقة للذين يعيشون اليوم بها. بل يتم استخدامها كنوع من الحداد الجمعي لكلّ الأميركيين بطريقة ما.. لكنّ الأمر مختلف طبعاً بالنسبة للسكان الأصليين الذين ما زالوا يعيشون صراعات مع السلطات الأميركية ومحاكمها حتى يومنا هذا على ملكيات مختلفة للأراضي".
تذكر مكداشي كذلك ما يتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها الجهات الرسمية الأميركية مع القبائل المختلفة، ثم خرقها لتلك المعاهدات. فعلى الرغم من هذا الخرق، يروج لتلك الاتفاقيات كدليل على شرعية الاستيطان. وهنا تجد مكداشي وجه شبه كبير في ممارسات السلطات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وتضيف: "السكان الأصليون يعتبرون أنفسهم أصحاب الأرض. هم لم يختفوا بشكل تام، وما زالوا موجودين في جميع أنحاء الولايات المتحدة ولو بنسبة صغيرة، لكنهم مغيبون. الرواية الرسمية تحاول التحدث باسمهم وكأنهم غير موجودين واختفوا تماماً. استعمار أرض السكان الأصليين يعد بالنسبة إليهم جرحاً ما زال ينزف حتى يومنا هذا".
تبقى الإشارة إلى تشجيع البعض تواصل المهاجرين الجدد، من عرب وغيرهم، مع السكان الأصليين الذين يعيش بعضهم في محميات لا تبعد أكثر من ساعات قليلة عن المدن الكبرى. ويؤكد هؤلاء أنّ ذلك سيشكل بادرة حسن نية ومحاولة تقديم الدعم للسكان الأصليين ومطالبهم، بدلاً من الانصياع وراء احتفالات تمجد انتصار الأقوياء.
إقرأ أيضاً: اللامساواة تكذّب "الحلم الأميركي"
يجتمع الملايين من الأميركيين حول المائدة، مساء اليوم الخميس، للاحتفال بـ"عيد الشكر". قد يكون أهم الأعياد الأميركية على الإطلاق. فيه يلتهم مواطنو الولايات المتحدة نحو 45 مليون ديك رومي، بالإضافة إلى اليقطين والأجبان والبطاطا.
تقول الرواية الأميركية الرسمية إنّ جذور الاحتفال بـ"عيد الشكر" تعود إلى عام 1621 مع وصول المهاجرين البريطانيين إلى القارة الأميركية بحثاً عن مكان آمن، بعد اضطهاد الكنيسة الإنجليزية لهم. ولأنّ الرحلة طويلة وشاقة مات كثيرون منهم، بينما وصل الناجون إلى شواطئ ولاية ماساتشوستس (حالياً)، في شهر نوفمبر/تشرين الثاني. هناك أنقذهم السكان الأصليون (الهنود الحمر) الذين يقطنون في تلك المنطقة، وعلموهم مهارات البقاء. وبعدها، قرر هؤلاء "المهاجرون" تقديم الشكر للسكان الأصليين، فدعوا بعضهم إلى مأدبة وتشاركوا الطعام والاحتفال سوياً. وعام 1863 أقر الرئيس الأميركي إبراهام لينكولن هذا اليوم كعيد قومي للشكر، يحل في آخر خميس من شهر نوفمبر.
لكنّ هذه الرواية لا تتحدث عمّا حل بالسكان الأصليين من مجازر، بل عن المستعمرين الأوروبيين كمهاجرين، لا كمحتلين ومؤسسين لنظام استعماري رد الجميل للهنود الحمر بالمجازر.
في المقابل، يعتبر الكثير من شعوب السكان الأصليين هذا اليوم ذكرى حداد. ويقيم هؤلاء مسيرات ومراسم مختلفة في ماساتشوستس وولايات ومدن أخرى، كما يدعون إليها المتضامنين. يؤدي السكان الأصليون فيها خطابات يقدمون من خلالها عادة مجموعة من المطالب.
يلعب "عيد الشكر" في الرواية الأميركية الرسمية دوراً مهماً وجذرياً في أسطورة تأسيس الولايات المتحدة وفهم النظام الأميركي الرأسمالي. وهو ما تؤكده، لـ"العربي الجديد"، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة "رتغرز" في نيوجيرسي، مايا مكداشي. تقول: "الرواية الرسمية عبارة عن أسطورة قومية لتأسيس الولايات المتحدة، يغيب فيها الحديث عن مستوطنين. بل تأتي فقط على ذكرهم كحجاج هاربين من بطش الكنيسة الإنجليزية. وإذا نظرنا إلى التوقيت الزمني، فإننا نتحدث عن بداية القرن السابع عشر حيث تغيب قصص وحوادث المذابح التي اقترفها المستعمرون الأوروبيون بحق السكان الأصليين".
يعتبر "عيد الشكر" من أهم الأعياد كذلك، لأنه لا يقترن بدين أو قومية معينة، وهو ما تفتخر به وزارة الخارجية والمؤسسات الرسمية.. أي أنه عيد قومي لجميع الأميركيين. ومع ذلك، فهو يمثل بالنسبة للسكان الأصليين "احتفالاً" بنكبتهم. ويتعلق من جهتهم بأديانهم وأعراقهم التي استبيحت. لكنّ رواية هؤلاء غائبة عن الرواية الرسمية، ولا يأخذها مجتمع الأغلبية بعين الاعتبار.
تقول مكداشي إنّ الأمور لا يمكن فصلها عن بعضها البعض، ومنها العامل الاقتصادي/ الاستهلاكي القوي والرئيسي في العيد، الذي تصفه بآلة لدرّ الأرباح، فالمتاجر الأميركية في اليوم الذي يلي العيد، المعروف باسم "الجمعة السوداء"، تقدم أكبر تخفيضات تجارية خلال العام.
أما عن احتفال الكثير من المهاجرين الجدد في الولايات المتحدة بهذا العيد على اختلاف أصولهم، فتقول مكداشي: "الكثير من المهاجرين يحتفلون به كعلامة على أميركيتهم، وتأكيداً على انخراطهم في المجتمع الأميركي". وتضيف: "إذا أخذنا كل هذه الأمور مجتمعة، فإنها تلخص ما ترمز له الولايات المتحدة اليوم من قومية ونظام رأسمالي شرس".
أما عن غياب مسألة المجازر التي ارتكبت بحق السكان الأصليين عن الرواية الرسمية، فتقول: "يتم الحديث عن المجازر والاستعمار والاستيطان وكأنها أمور بعيدة ولا علاقة للذين يعيشون اليوم بها. بل يتم استخدامها كنوع من الحداد الجمعي لكلّ الأميركيين بطريقة ما.. لكنّ الأمر مختلف طبعاً بالنسبة للسكان الأصليين الذين ما زالوا يعيشون صراعات مع السلطات الأميركية ومحاكمها حتى يومنا هذا على ملكيات مختلفة للأراضي".
تذكر مكداشي كذلك ما يتعلق بالاتفاقيات والمعاهدات التي وقعتها الجهات الرسمية الأميركية مع القبائل المختلفة، ثم خرقها لتلك المعاهدات. فعلى الرغم من هذا الخرق، يروج لتلك الاتفاقيات كدليل على شرعية الاستيطان. وهنا تجد مكداشي وجه شبه كبير في ممارسات السلطات الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين. وتضيف: "السكان الأصليون يعتبرون أنفسهم أصحاب الأرض. هم لم يختفوا بشكل تام، وما زالوا موجودين في جميع أنحاء الولايات المتحدة ولو بنسبة صغيرة، لكنهم مغيبون. الرواية الرسمية تحاول التحدث باسمهم وكأنهم غير موجودين واختفوا تماماً. استعمار أرض السكان الأصليين يعد بالنسبة إليهم جرحاً ما زال ينزف حتى يومنا هذا".
تبقى الإشارة إلى تشجيع البعض تواصل المهاجرين الجدد، من عرب وغيرهم، مع السكان الأصليين الذين يعيش بعضهم في محميات لا تبعد أكثر من ساعات قليلة عن المدن الكبرى. ويؤكد هؤلاء أنّ ذلك سيشكل بادرة حسن نية ومحاولة تقديم الدعم للسكان الأصليين ومطالبهم، بدلاً من الانصياع وراء احتفالات تمجد انتصار الأقوياء.
إقرأ أيضاً: اللامساواة تكذّب "الحلم الأميركي"