"عهد التميمي" كونوا كما تحبون أن يكون أبناؤكم

27 ديسمبر 2017
بدأت أسطورة "عهد" من تربية والديها ( غيتي)
+ الخط -
طالعتنا الصحف في الأيام الأخيرة بأخبار "عهد التميمي" الفتاة الصغيرة ذات الستة عشر عاماً والتي أرهقت الاحتلال الإسرائيلي بمشاركاتها في المظاهرات والمقاومة والتي وصلت لدرجة صفع أحد جنود الاحتلال مما أدى لاعتقالها.

ونحن كتربويين نجد أنه من الواجب علينا أن ندرس تلك الشخصية وبعض ملامحها النفسية لعلها تضع لنا إشارات على طريق تنشئتنا لأبنائنا. ونتوقف عند خمس نقاط أساسية وهي:


1."عهد" الفتاة المناضلة هي ابنة أب مناضل تم اعتقاله تسع مرات من قبل السلطات الإسرائيلية، وهو رجل مهتم بالقضية وحصل على ماجستير في القانون الدولي من جامعة برشلونة. وهي أيضا ابنة سيدة مناضلة تم اعتقالها خمس مرات من قبل السلطات. كما أن والدها ووالدتها هما عضوان في لجنة المقاومة الشعبية ضد الجدار والاستيطان، وعمتها قد استشهدت على يد قوات الاحتلال أثناء احتجاجها عند محاكمة ابنها!!

 هذه النشأة تعكس بيئة خصبة للمقاومة، وهذا نسميه في علم النفس "التعلم الاجتماعي" أو التعلم من خلال التقليد والقدوة والنموذج. "عهد" لم تر في أسرتها إلا هذا النموذج، وهذه هي "الحالة الطبيعية" التي لا تعرف أن تكون غيرها، وأي صورة  للاستسلام أو الخنوع هي صورة شاذة بالنسبة لها ودور لا تستطيع أن تؤديه. في البيت الذي تملؤه الكتب يكون كل سكانه قراء، وفي البيت الذي تملؤه الموسيقى يكون سكانه متذوقين للموسيقى، وفي البيت الذي تملؤه الأنانية لا يعرف أهله إلا أن يكونوا أنانيين، وفي البيت الذي تملؤه المقاومة يكون سكانه مثل "عهد". فكونوا كما تحبون أن يكون أبناؤكم. هم بالتأكيد لن يكونوا نسخة طبق الأصل عنكم، ولكن كثيراً من صفاتكم ستنتقل إليهم بشكل تلقائي.



2.  سلوك المقاومة الذي نشأ في "عهد" تم "تعزيزه" من خلال تكريمها عدة مرات من المهتمين بالقضية، وأحد تلك التكريمات كان وهي في العاشرة من عمرها على يد رجب طيب أردوغان حين كان رئيساً لوزراء تركيا ذلك الحين، هذا "التعزيز" يكرس السلوك النضالي الذي تم تكريمها لأجله حتى أصبح جزءاً من شخصيتها.


وكذلك التعزيز دائما، فعندما يضرب الطفل زميله فيمدحه الأبوان لقوته هذا يعزز السلوك العدواني.

وحينما يقول الطفل كلمة قبيحة ويضحك الأب أو الأم فهذا يعزز استخدامه للألفاظ القبيحة، وحينما يقدم الطفل جزءا من وقته لأجل مجتمعه أو وطنه فيكرمه ذلك المجتمع ولا يسخر منه فهذا يعزز الإيجابية والمشاركة والتضحية من أجل الوطن والمجتمع.


3."عهد" الطفلة و"عهد" المراهقة، ظاهرة تلفت انتباهنا إلى ما يمكن أن تملكه هاتان المرحلتان من شجاعة وقوة وتحمل مسؤولية وإيمان بفكرة. فلنكف عن التقليل من شأن أطفالنا ومراهقينا أو معاملتهم على أنهم عجزة عالة تافهون. هم فقط ينتظرون أباً يمنح الثقة وأما تقدم المساندة ليخرجوا المارد الذي ينتظر بداخلهم. ولعلنا هنا لا نتعجب حين نسمع أن "أسامة بن زيد" ذا الستة عشر عاماً كان قائداً لجيش، فليست العبقرية عبقرية أسامة وإنما هي عبقرية البيئة التي مكنته من تحمل تلك المسؤولية. حديثي هنا لا يعني إشراك الأطفال في الحروب فالزمن غير الزمن، ولكنه فقط يعطي إشارة إلى كيفية إحياء أو قتل الاستعداد للمسؤولية لدى أطفالنا ومراهقينا.


4. هناك معان كثيرة نتعلمها من نظرات وتعبيرات وجه "عهد".. سنرى ثقة بالنفس وصلابة وقوة عجيبة.. أدعو كل أم أن تتأمل تلك التعبيرات، وتسأل نفسها: ماذا يجب أن أفعل حتى أرى تلك الثقة بالنفس في أعين أبنائي؟ أي كلمات تشجيعية يجب أن يسمعوها مني؟ أي مسؤوليات يجب أن أدفعهم لتحملها بكل قوة وثقة؟ ماذا يجب أن أقول حينما يخطئون وحينما يصيبون؟ تلك القوة نحلم بها لأبنائنا، ونحن لن نراها في أعينهم إلا إذا صنعناها بأقوالنا وأفعالنا معهم.


5. ويأتي سؤال: هل هناك خطر تربوي يهدد "عهد"؟ هل حياة النضال التي عاشتها في طفولتها هي اعتداء على طفولتها؟ هل الظهور والأضواء قد تصيبها بأمراض الشهرة والنجومية؟ هل الاعتقال في هذا السن المبكر قد يملأ قلبها بالكراهية والحقد؟ والإجابة: كل هذا ممكن ووارد ولكنه ليس حتميا.

هذه التهديدات تحتاج فقط جهداً لتجنبها، جهدا من "عهد" نفسها ومن أبيها وأمها لضبط الميزان. يحتاج أن تعرف أن المسؤولية لا تتعارض مع الطفولة ولكن لا بد من أن يكون هناك وقت لممارسة الطفولة، وألا تنبهر بالأضواء لأن هناك مناضلين في صور أخرى للنضال قد لا يعرفهم أحد وقد يكونون أفضل منها، وألا تجعل تلك الأضواء سيفاً على رقبتها يرهبها من الخطأ لأنها أصبحت مثلاً ونموذجا، فلتعلم أن من حقها أن تخطئ وتصيب وألا تهتم برد فعل المجتمع بل تهتم برحلتها وخطوات نضجها التي تأتي في حينها. تحتاج أيضا أن تداوي جراحها حتى يظل قلبها خضراً مليئاً بالحب والسكينة.

وتظل "عهد" حالة تستحق أن ندرسها ونتعلم منها كتربويين وكمهتمين بحال هذه الأمة. 

المساهمون