ضمن سلسلة "ترجمان" التي يصدرها "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات" في الدوحة، صدرت حديثاً ترجمة كتاب "عن حق الإنسان في الهيمنة" (2015) لـ نيكولا بيروجيني ونيف غوردن، والذي نقله إلى العربية المترجم الفلسطيني محمود محمد الحرثاني.
لا تنحصر قضية هذا الكتاب المركزية في وجود خطاب حقوق الإنسان في المنطقة أو عدم وجوده، إنما تعالج كيفية توثيق الحكومات والشعوب انتهاكات حقوق الإنسان، وكيفية نبذها هذه الانتهاكات، وطريقة تجييشها الحقوق في سياقات العنف السياسي والهيمنة والإمبريالية الجديدة والاستعمار الجديد.
يعالج المؤلّفان هذه المسألة بتحليل "الأنموذج الإسرائيلي" الذي يصوّره مؤيدوه على أنه الديمقراطية "الوحيدة" في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن كثراً انتقدوا هذا التوصيف، فإن ما هو حديث وجديد نسبياً هو أن "إسرائيل" تحاول الحفاظ على وضعها الدولي باعتبارها ديمقراطية ليبرالية، من خلال تطويع خطاب حقوق الإنسان، رغم سجلها المشين في انتهاك هذه الحقوق.
في التقديم، يتناول بيروجيني وغوردن ضروب تطويع حقوق الإنسان، ومسألة مناهضة الأنموذج الهيدروليكي لحقوق الإنسان، وحقوق الإنسان والدولة. ويتضمّن الفصل الأول، "تناقضات حقوق الإنسان"، لمحةً تاريخية عن حقوق الإنسان في "إسرائيل"، وتبيان كيف أن حقوق الإنسان عميقة الارتهان للدولة، وتوصيفاً للصلة بين تأسيس النظام الدولي لحقوق الإنسان وإنشاء دولة "إسرائيل"، حيث حلفاؤها نظروا إلى قيامها باعتبارها وجهاً من أوجه تعويض حقوق إنسانية بسبب جرائم مروعة تعرض لها اليهود في أوروبا.
أما في الفصل الثاني "تهديد حقوق الإنسان"، فيوضحان كيف بدأ النظر إلى حركة حقوق الإنسان بوصفها تهديداً في "إسرائيل"، مع توصيف ردة الفعل الرسمية على هذا التهديد، ثم يشرحان كيف بدأ الفاعلون الإسرائيليون المحافظون تأطير منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الليبرالية باعتبارها تهديداً للأمن القومي، ليس من أجل رفض حقوق الإنسان لمجرد الرفض، لكن من أجل مواجهة محاولات المنظمات الليبرالية التخفيف من عنف الدولة والحد منه، ومن أجل إضفاء الشرعية في النهاية على الحرب العسكرية الإسرائيلية.
في الفصل الثالث "حق الإنسان في القتل"، يصف الكتاب التقارب بين الجيش الإسرائيلي والمسؤولين الحكوميين ومراكز البحوث الأمنية من جهة، ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الليبرالية من جهة أخرى. وبالتركيز على الحملات العسكرية التي شنّتها إسرائيل على قطاع غزة، يبيّنان كيف تستخدم القانون الدولي الإنساني لشرعنة قتل المدنيين الفلسطينيين وتبريره، ثم يشيران إلى أن منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الليبرالية تتبنّى القانون الدولي على نحو يُرَشد استخدام العنف القاتل ضد الفلسطينيين.
يتناول الفصل الرابع، "حق الإنسان في أن يَستعمر"، ظهور منظمات حقوق الإنسان غير الحكومية الاستيطانية، وكيف أنها تستخدم خطاب حقوق الإنسان لتعزيز السلب الاستعماري الأراضي الفلسطينية المحتلة، وكيف يتم ذلك الشكل من أشكال "حركة حقوق الإنسان" في فضاء سياسي وقانوني واستراتيجي من التقارب مع منظمات غير حكومية ليبرالية، تدعم توفير حقوق الإنسان للفلسطينيين.
في الخاتمة "ماذا بقي من حقوق الإنسان؟"، يتأمل المؤلّفان في ما إذا كانت حقوق الإنسان قابلة بعد للاستخدام على نحو يناهض الهيمنة بعد أن طُوّعت لتعزيز هذه الهيمنة. وبعيداً عن رفض حقوق الإنسان الإمكانات السياسية الكامنة فيها لتصحيح المظالم الاجتماعية، يريان أن حقوق الإنسان يمكن أن تكون أداة فاعلة لتعزيز العدالة.