"عملية رمضان" في موريتانيا

08 يونيو 2018
سوق في موريتانيا (العربي الجديد)
+ الخط -

لم تمنع الأوضاع المعيشية الصعبة والارتفاع الكبير في الأسعار الموريتانيّين من الاحتفال بشهر رمضان، هم الحريصون على التمسّك بالطقوس والعادات الرمضانية. وهم كانوا قد قصدوا الأسواق في نهاية شهر شعبان لشراء حاجيات الشهر الكريم، الأمر الذي جعل الإقبال على المحال التجارية يزداد بقوة. وبينما راحت ربّات البيوت يشترينَ تجهيزات المطبخ، توجّه الرجال إلى أسواق المواشي لشراء الخراف والضأن والماعز بهدف التزوّد بلحومها طيلة الشهر الكريم.

تخبر فاطمة بنت محمد الشيخ، وهي ربة أسرة، أنّها تحرص على إدخال البهجة إلى قلوب أفراد عائلتها طيلة الشهر المبارك، على الرغم من تواضع دخلها الشهري، وتوقف زوجها عن العمل منذ فترة نتيجة البطالة المستشرية في موريتانيا ونقص فرص العمل. تضيف بنت محمد الشيخ لـ "العربي الجديد": "من بين أهم الوجبات التي أحرص على توفيرها خلال شهر رمضان، الوجبة المعروفة محلياً بالطاجون، التي يتناولها الناس بعد صلاة التراويح، يتبعها البطيخ والموز والبرتقال". وتشير إلى أن الفقراء يكتفون بتناول الطاجون المكون من السمك لارتفاع أسعار لحوم المواشي.

بدورها، تقول عيشة بنت المصطفى إن وجبة السحور هي الأهم لدى الفقراء ومحدودي الدخل، وعادةً ما يعوض بها البعض عن العشاء نتيجة عدم قدرتهم على شراء مواد غذائية متنوعة. أما الأغنياء، فيتناولون العشاء قبل السحور، وذلك بعد منتصف الليل. ويؤخرون وجبة السحور إلى ما قبل وقت الإمساك بساعة واحدة. وتؤكّد بنت المصطفى لـ "العربي الجديد" أنّ شراء مؤونة شهر رمضان من المواد الغذائية وتجهيزات المطبخ تأثرت هذا العام بسبب الارتفاع الجنوني للأسعار، وانتشار البطالة والفقر بين صفوف الموريتانيين، مشيرة إلى تمسّك المواطنين بالعادات والتقاليد خلال تناول وجبات الإفطار.


ويختلف حجم ونوعية الوجبات الرمضانية في العاصمة نواكشوط والمدن الكبيرة بالمقارنة مع القرى والأرياف التي تنعدم فيها بعض الوجبات، مثل الطاجون. أما في أوقات الإفطار، فيتناول سكان المدن التمور على أنواعها، واللبن الرائب، بينما يعتمد سكان الريف على شرب المياه واللبن المجفف، بالإضافة إلى تناول القليل من التمر والشاي الموريتاني. ثم يتناولون العشاء، وهو عبارة عن "كسكس" أو معكرونة. وتغيب وجبة السحور، ويكتفي الأهالي بتناول الفستق والبسكويت واللبن المجفف. يُذكر أنّ أطباقاً جديدة عدّة أُضيفت إلى المطبخ الموريتاني في السنوات الأخيرة، لعلّ أبرزها طبق السمك مع الخضار وطبق السمك المشوي، بالإضافة إلى طبق الأرزّ والسمك الذي أضحى رئيسياً لدى سكان مدن عدّة، منها نواكشوط ونواذيبو.

ويقول لمرابط ولد محمد، رب أسرة مكونة من خمسة أشخاص، إنه توجه عشية شهر رمضان إلى سوق الماشية واشترى خروفاً وجدياً لتأمين اللحوم، لافتاً إلى أن ارتفاع أسعار المواشي سيحرم عائلات موريتانية كثيرة من تناول لحوم الأغنام خلال شهر رمضان، خصوصاً الأسر الفقيرة التي ليس لديها دخل شهري. ويطالب ولد محمد، في حديث لـ "العربي الجديد"، باعة المواشي باعتماد أسعار معقولة في متناول الجميع، مشيراً إلى أن شهر رمضان شهر تسامح ورحمة، يضاعف فيه الأجر بسبب أعمال الخير وحسن النوايا والرأفة بالجميع.



وخلال شهر رمضان، تعمل الحكومة الموريتانية على توفير المواد الغذائية بأسعار منخفضة لمصلحة العائلات الفقيرة، في إطار خطة تطلق عليها "عملية رمضان"، ترصد لها ميزانية كبيرة لتخفيف معاناة الفقراء خلال الشهر. وينتقد سيد أعمر، وهو أب لأسرة موريتانية، "عملية رمضان"، لافتاً إلى أنها لا تخضع للقدر الكافي من الشفافية، بل أضحت فرصة لرجال الأعمال وغيرهم، لشراء المواد الغذائية بأسعار منخفضة، وبيعها للفقراء بنفس أسعار المحال التجارية. ويطالب سيد أعمر الحكومة تشديد الرقابة على المسؤولين عن "عملية رمضان" حتى تصل إلى الفقراء المستهدفين بدل إنفاقها لمصلحة التجار، مشيراً إلى أن الجفاف وغلاء الأسعار في موريتانيا يحتمان إيصال مساعدات للفقراء الذين يعانون من الغلاء والبطالة بشكل كبير.


وكانت الحكومة الموريتانية قد أعلنت عن استفادة نحو 3400 أسرة من "عملية رمضان" خلال العام الحالي، من خلال توفير الحاجيات الأساسية من مواد غذائية بأسعار مدعومة أو مخفضة. ويحرض الشعب الموريتاني خلال شهر رمضان على تعزيز التضامن والتكافل بين فئات المجتمع، تماشياً مع تعاليم الدين الإسلامي. وتنتشر في البلاد الجمعيات الخيرية التي تعدّ موائد الرحمن، وتوزع المساعدات والمعونات على الفقراء والمحتاجين، إعلاء لقيم التكافل والإحسان في شهر رمضان.