"عشرة الراعي" في السودان

22 فبراير 2015
ليس للفلاح سوى انتظار جود الأرض(أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -
اعتاد السودانيون، في مثل هذه الأيام، على تداول قصة تقليدية، وهي عن راعٍ أحس بالدفء، فتخلص من ثوبه، حتى لا يعيق تنقله خلف ماعزه، وباعه. وبثمنه جلب بعض السكر والشاي. وما هي إلا عشرة أيام حتى ازداد الصقيع مجدداً، فمات الراعي برداً.. لتسمى أيام الدفء العشرة من الشتاء "عشرة الراعي".

مع تفاقم موجات البرد هذه الأيام، تزداد صدمات المجموعات السكانية في المناطق الهشة في السودان. أولئك الذين يرزحون تحت وطأة الفقر المدقع، مع عدم توافر مصادر دخل متنوعة. إذ ليس للراعي سوى حيواناته. وليس للفلاح سوى انتظار جود الأرض، بالرغم من الاعتراف الرسمي بالنقص في المداخيل الزراعية. كما تتعرض التربة لعمليات إفقار، وفقدان خصوبة، وتهديدات بالتصحر. ولا تصل الخدمات الصحية وحملات التوعية إلى السكان.

وما يفاقم من مشاكل كلّ هؤلاء، ما ينتج من صراع حول الموارد، ومن تغير في المناخ، يؤدي إلى تعريض أولويات التنمية الزراعية والغابات، وإدارة الموارد عموماً، إلى مخاطر تستهدف مواطني المناطق الهشة بالذات.

فالجفاف يضرب تلك المناطق في شمال وغرب السودان، وولاية كسلا في شرق البلاد، وبعض مناطق الزراعة المطرية في الوسط. فلا غطاء من شمس الصيف الحارقة، ولا من برد الشتاء القارس. وعند أول هطول، تضرب السيول والفيضانات مناطق حوض النيل والأراضي المنخفضة، بما في ذلك سواحل البحر الأحمر. وبين هذا وذاك، تنشط عواصف ترابية في الشمال والشرق والوسط.

يُرجع الخبراء هذه الأحداث الحادة- مع أخرى نادرة الحدوث مثل العواصف الرعدية وموجات الحرارة- إلى تغير المناخ في السودان. وينتج عنها، بالإضافة إلى النقص في الغذاء، وفقدان المحاصيل والثروات الحيوانية والنباتية، تفشي الآفات والأمراض الوبائية، وضياع الممتلكات والإضرار بالبنى التحتية، وصولاً إلى فقدان الحياة في كثير من المناطق الهشة. وعلى مستوى النظرة المستقبلية، فإنّها ضعيفة جداً فيما يتعلق بالإنتاج والحفاظ على البيئة والموارد. وذلك ما يتطلب جهوداً بحثية وافية، وتخطيطاً مدعوماً بإرادة سياسية حقيقية. كذلك يتطلب إعادة فتح الباب للجهود الدولية في هذا المجال، والتي تأتي عبر بوابات تنظيمات المجتمع المدني السودانية القادرة، بما لها من خبرة، على سد النقص في الخدمات.

ويتضح ذلك من خلال النقص الحاصل، في ظلّ إجبار المانحين على مغادرة البلاد، والدخول في عتمات الاتهام السياسي. فقد توقف الدعم عن المناطق الهشة، وباتت معرضة للمزيد من الضغوط، المتراوحة بين حر، وصقيع، وفقر مزمن، تقف مؤسسات الدولة عاجزة أمام تهديده حياة السكان.

(متخصص في شؤون البيئة)
المساهمون