في ظلّ ما يعانيه نظام التعليم في السودان على مدى السنوات الماضية، كان عدد من الناشطين والفنانين والرسامين التشكيليين قد أطلقوا مبادرة تطوعيّة حملت عنوان "عديل المدارس" عام 2011، بهدف العمل على تأهيل وترميم المدارس الحكومية، وخصوصاً تلك العريقة التي ساهمت بتقدم مسيرة التعليم في السودان. أخيراً، احتفلت المبادرة بعامها الرابع، بعدما نجحت في إعادة تأهيل نحو 138 مدرسة في مناطق مختلفة.
في هذا السياق، يتوقّع عاملون في القطاع التربوي انهيار العملية التعليمية، محمّلين حكومة الخرطوم المسؤولية بعدما عملت على إدخال بصماتها على النظام المتبع وتغييره بالكامل، من دون وضع دراسات كافية، فضلاً عن إهمالها هذا القطاع. ويشيرون إلى أن المدرسة لم تعد تساهم في التربية، وبات التعليم برمته مجرد سلعة تجارية.
هذه المبادرة كانت قد انطلقت عام 2011 على أيدي محبي أحد المهتمين بالتعليم في البلاد، الذي عمل طوال حياته في ترميم المدارس وتأهيلها. منذ ذلك الوقت، توسّعت المبادرة وضمت متطوعين جددا. لم يعد عملها محصوراً في العاصمة، بل امتد إلى ولايات أخرى، في محاولة لإحياء ثقافة "النفير"، أي العمل الاجتماعي الذي يتميز به السودانيون.
وتواجه الحكومة في الخرطوم انتقادات لاذعة واتهامات بإهمال التعليم ووضعه في أسفل اهتمامات الدولة، إذ لا تتعدى الموازنة المخصصة له نسبة 2 في المائة. وفي الموازنة الحالية، رصد مبلغ 1.5 مليون جنيه (نحو 232 ألف دولار) من أصل حجم الموازنة البالغ 67 مليون جنيه (نحو عشرة ملايين دولار)، وكان النصيب الأكبر فيها لقطاع الدفاع والأمن والشرطة. وبحسب المعايير الدولية، يجب تخصيص ما نسبته 16 إلى 18 في المائة من موازنة الدولة للتعليم.
وتجدر الإشارة إلى أن المبادرة أطلقت على نفسها اسم "عديل المدارس" في محاولة لبث روح التفاؤل الذي ترمز إليه هذه الكلمة في المجتمع السوداني. وتعتمد المبادرة على مساهمين فرديين، وشركات خاصة، فضلاً عن منظمات المجتمع المدني للمساهمة في عملية الترميم وتوفير المواد المطلوبة، سواء كانت مادية أو عينية.
اقرأ أيضاً: طفلة تلد طفلة في السودان
ويحرص أعضاء هذه المبادرة على إشراك العائلات في عملية الترميم التي يقومون بها بأنفسهم. وتتضمن إعادة بناء الصفوف المنهارة أو ترميمها. وعادة ما يقسم المتطوعون أنفسهم إلى مجموعات، فيهتم البعض بالرسم على الجدران والطلاء، فيما يعمل آخرون في مجال البناء، ولا ينسون التشجير وأعمال التنظيف.
في السودان، تكاد البيئة المناسبة للتعليم تنعدم في كثير من المدارس، وخصوصاً تلك الموجودة في الريف أو معسكرات النازحين في إقليم دارفور، بالإضافة إلى المناطق التي تعاني من الحروب، وتحديداً منطقتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.
على سبيل المثال، تفتقر بعض المدارس إلى مقاعد وطاولات ليتمكن التلاميذ من الدراسة، ما يضطرهم إلى الجلوس على الأرض. وقد تجد مدارس أخرى بنيت بعيدان الخشب والخيش، عدا عن افتقاد كثير من المدارس في العاصمة للمراوح وأجهزة التكييف، علماً أن أسقفها من "الزنك"، ما يجعل الدراسة أمراً صعباً بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
يقول منسق المبادرة طارق الأمين "إننا نهدف إلى تكريس المسؤولية الاجتماعية لدى أطفال المدارس، من خلال إشراكهم في الصيانة، بالإضافة إلى توظيف قدرات الشباب". أما حسن حسين، وهو أحد المتطوعين في المبادرة، فيؤكد أنه انضم إليها "كونها تساهم في تطوّر وتقدم المجتمعات، وخصوصاً أنها تساهم في إشراك مختلف فئات المجتمع، وقد قطعت شوطاً كبيراً في مجال تأهيل المدارس".
من جهته، يؤكد محمد، وهو أحد المتطوعين، أنه شارك في المبادرة "باعتبارها عملاً مميزاً، وتساهم في إعادة تأهيل قطاع أهملته الدولة"، لافتاً إلى أن هذه المبادرة تحولت بالنسبة إليه إلى بديل للنادي أو مشاهدة كرة القدم، "وخصوصاً في أيام الإجازات التي نستغلها في الصيانة".
وتجدر الإشارة إلى أن السودان عمد أخيراً إلى إنشاء عدد من المدارس والجامعات، الأمر الذي رأى فيه البعض توسعاً كمياً من دون الاهتمام بجودة التعليم. وبحسب تقرير صادر عن وزارة التربية والتعليم عام 2013، فإن عدد المدارس الابتدائية في السودان يقدر بـ 17 ألفاً و442 مدرسة، فيما يقدر عدد التلاميذ بنحو 5 ملايين و260 ألفاً و623. ويبلغ عدد مدارس المرحلة الثانوية 3820، وعدد التلاميذ نحو 881 ألفاً، أي بمعدل 35 تلميذاً في الصف الواحد.
اقرأ أيضاً: السبعينيّة زينب تتخرّج من الجامعة