المفارقة التي تُظهر عدم جديّة التظاهرة، جاء مع إقرار وزراء الثقافة العرب -في اجتماع عُقد سنة 2015- البصرة عاصمة عام 2018، وبقي الأمر على حاله حتى تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، لتتقدّم مدينة وجدة المغربية المشهد من دون مقدّمات سابقة نظراً لـ"عدم الاستعداد الكافي لإقامة الأنشطة والاحتفالات الفنية على مدار السنة".
الآلية التي جرى من خلالها استبدال مدينة بأخرى، لم تثر ملاحظة أحد من المشتغلين في الثقافة على مستوى البلدين؛ العراق الذي رشحّ البصرة منذ عام 2013 ولم يستطع خلال سنوات خمس أن يوفّر التحضيرات المطلوبة، والمغرب الذي لم يطرح قبل ذلك ملف ترشيح وجدة.
وجدة التي تقع قرب الحدود الجزائرية ويصل عدد سكّانها إلى نصف مليون نسمة، تعاني مثل غيرها من المدن المغربية إخفاقات في التنمية على مستويات مختلفة، منها الثقافة حيث تشير التقارير إلى الإهمال الشديد الذي يتعرّض له مركز المدينة التاريخي، إلى جانب غياب استراتيجية للعمل الثقافي فيها، وخاصة حين يتعلّق الحال بالمسرح والفنون الأدائية والتشكيل.
على أن كلّ هذه العقبات يمكن أن تتحوّل إلى حافز لإيجاد حلول لها، لكن المتابع لشؤون عاصمة الثقافية الحالية، يجد أنه لم تتبلور أية خطة أو رؤية لطبيعة الفعاليات التي ستحتضنها المدينة، ولن يجد على صفحة الاحتفالية على "فيسبوك" (لم ينشأ موقع إلكتروني بعد) سوى صور لبيوت ومدارس وسكة حديد وغيرها من المعالم القديمة في المدينة.
تجدر الإشارة إلى الذهاب نحو المدن بعد أن مرّت التظاهرة بمعظم العواصم العربية، لكن التجارب السابقة في قسنطينة الجزائرية وصفاقس التونسية والأقصر المصرية جاءت مخيبّة، بداية من غياب البنية التحتية اللازمة وصولاً إلى سوء الإدارة والتنظيم والتعامل مع الحدث.
هكذا تتراكم المشاكل أمام مبادرة عواصم الثقافة التي تبنّتها "المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" (أليسكو)، وكان في مقدّمتها اختيار القدس عاصمة للثقافة العربية عام 2009؛ المدينة التي تقع تحت الاحتلال الصهيوني منذ أكثر من خمسين عاماً، إذ أقيمت كل الفعاليات خارج مكانها على وقع الجدل العربي حول زيارة المدن الفلسطينية التي احتضنت التظاهرة بتأشيرة دخول إسرائيلية.