وتأتي عملية "عاصفة الحزم" التي تقودها السعودية للحدّ من تمدد جماعة "أنصار الله" (الحوثيين) المدعومين من إيران في اليمن، لتبعث أملاً جديداً في نفوس السوريين، من مواطنين وقوى سياسية وعسكرية وثورية، في احتمال ولادة حلف عسكري مماثل.
ويأمل السوريون في تشكيل حلف عربي أو إقليمي، بمشاركة تركيا، يقوم بتوجيه ضربات جوية لمواقع نظام الأسد، وفرض حظر جوي في سماء سورية، كما حصل في اليمن. الأمر الذي سيُمكن قوات المعارضة من الزحف سريعاً إلى العاصمة دمشق، وإسقاط النظام، وإنهاء أربع سنوات من المحنة السورية، التي حصدت أرواح مئات آلاف البشر ودمّرت مدناً وبلدات كثيرة في البلاد.
وتغزو فرص إقامة مثل هذا الحلف مخيلة معظم السوريين، لكن على أرض الواقع تبدو الأمور أكثر تعقيداً، بالنظر إلى اختلاف الظروف بين الحالتين السورية واليمنية. ذلك لأن الحوثيين في اليمن، ظهروا من دون سند إقليمي ودولي، وحتى أن الدعم الايراني لهم غير معلن.
أما في سورية، فان إيران موجودة علناً ومباشرة عبر حرسها الثوري، أو غير مباشرة عبر أذرعها العلنية من "حزب الله" إلى التنظيمات العراقية وغير العراقية، فضلاً عن دعمها العلني والصريح للنظام السوري. كما يحظى النظام السوري بدعم قوي من منظومة دولية وعربية أوسع مما هي عليه في اليمن، وفي مقدمتها روسيا والصين والعراق والجزائر، حتى أن دولاً غربية عدة لا تزال تحافظ على قنوات اتصال معه، وباتت تصرح، كما حال الموقف الأميركي، بأنها لا تريد إسقاط النظام، بل التوصل إلى حلّ سياسي في هذا البلد.
ويرى الكاتب والمعارض السوري فايز سارة، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن "معركة اليمن مقدّمة لتبدل نوعي في التعامل مع القضايا المطروحة في المنطقة، وانتقالها من مسايرة الأوضاع ومحاولة التوافق عليها إلى مواجهتها بالقوة".
واعتبر أن "هذا التبدل في التعامل مع القضايا، سيعكس نفسه في تعامل الخليج عموماً مع التطورات في سورية، وتأكيد حضور القوة في حلّ الأزمة السورية. ولعل ما حدث في درعا أخيراً يُشكل بروفا مصغرّة، لشكل التحول العسكري العربي المقبل".
أما العميد الركن أحمد رحال، فيرى أن "لا حاجة لقيام حلف عربي إقليمي جديد، لأن الحلف نفسه الذي أخذ المبادرة في اليمن، يُمكن أن يقوم بالشيء نفسه في سورية، ويقوم بتوجيه ضربات جوية للنظام السوري وفرض مناطق حظر جوي، والحدّ من قدرة النظام على التحرّك وعلى إيذاء الشعب السوري، الأمر الذي يتيح لقوى المعارضة تسريع عملية إسقاط النظام". وأضاف رحال، في تصريحات لـ"العربي الجديد"، أن "كل ذلك مرهون بموافقة الغرب والولايات المتحدة على هذا التحرّك، وهو غير حاصل حتى الآن".
اقرأ أيضاً: "عاصفة الحزم" تؤجّج خلاف أوباما ونتنياهو
ووافق المحلل السياسي التركي أوكتاي يلماز، كلام رحال، واستبعد في حديثه لـ"العربي الجديد"، أن "تشارك تركيا في مثل هذا الحلف الإقليمي ضد النظام السوري، إلا في حال الحصول على تفويض من الأمم المتحدة بالتدخل العسكري، وهذا مستبعد بسبب الفيتو الروسي والصيني، أو المشاركة ضمن التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة والذي تقتصر ضرباته حالياً على تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، أو في حال حصول اعتداء كبير على الأراضي التركية، ما يجعل تركيا في حالة الدفاع عن النفس".
ويضيف يلماز أن "الحالة الإضافية التي قد تتدخّل فيها تركيا بشكل منفرد، وتعمل على فرض مناطق عازلة وحظر جوي في شمالي سورية، هي حدوث تطورات كبيرة في الشمال السوري، كأن تسقط مدينة حلب بيد قوات النظام، وتتدفق أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين إلى تركيا".
ورأى يلماز أن "قيام تحالف إقليمي لضرب النظام السوري على غرار تحالف عاصفة الحزم له مخاطر أخرى، إذ سيقابله قيام تحالف مضاد من إيران وبعض الأطراف العراقية واللبنانية، مدعوماً من روسيا". ولفت إلى أنه "تحدث بهذا الشأن مع بعض المسؤولين الأتراك، الذين استبعدوا هذا الأمر واعتبروه فكرة غير واقعية".
وكان الكاتب السعودي جمال خاشقجي، ذكر في مقالات صحافية له ما سماه "مبدأ سلمان"، في إشارة إلى العاهل السعودي سلمان بن عبد العزيز، والقاضي بـ"التحلل من القاعدة التي ظلت سائدة حتى الآن، باستحالة قيام حلف عسكري إقليمي دون مباركة الولايات المتحدة وموافقتها المسبقة، وهو الأمر الذي خرقته السعودية من خلال عملية "عاصفة الحزم"، ما قد يُشجع دولاً أخرى على خرقه أيضاً، وخصوصاً تركيا". ونشر خاشقجي تغريدة له على موقع "توتير"، جاء فيها أن عاصفة الحزم التي تقودها بلاده برفقة عدد من الدول العربية الأخرى في اليمن، "يُمكن أن تنتقل إلى سورية قريباً".
ويرى البعض أن قرار "إنشاء قوة عسكرية مشتركة"، في ختام أعمال القمة العربية، يوم الأحد، في شرم الشيخ، قد يكون البديل المحتمل لإقامة أحلاف عسكرية في المنطقة. وسيكون مناطاً بهذه القوة التصدّي للمخاطر التي تهدد الأمن القومي والوطني للدول العربية، سواء في مواجهة الإرهاب، أم التهديدات الخارجية والداخلية.
غير أن تحديد مهام هذه القوة وقوامها وتسليحها وبالتالي درجة فاعليتها، وطريقة تدخلها وآليات عملها، كلها أمور قد لا تحظى بتوافق عربي شامل، خصوصاً لدى إسقاط هذه القضايا على أرض الواقع، وفي مقدمتها الأزمة السورية التي لا تشهد توافقاً عربياً شاملاً حول التصرّف الأمثل المطلوب لحلها.
اقرأ أيضاً: مساءات صنعاء... ظلام وقات ومضاد للطائرات