تكافح عائلة خليل (بسام كوسا) طوال ثلاثين حلقة من مسلسل "الحقائب ــ ضبوا الشناتي" من أجل أن تهاجر، تبيع بيتها وترهن حياتها، وهي تلملم حقائبها، لتسافر إلى أي بلد، وفي نهاية الحلقة الثلاثين، ستنجح العائلة في ركوب البحر، ولكنها لن تعبره. فقدر السوريين الذين يركبون البحر ليس سعيداً كفاية ليعبروه. هكذا سيكون الكاتب ممدوح حمادة شديد الواقعية، فيرزح لإرادة البحر فيهديه أبطال مسلسله، ولسان حاله، يقول: "النهايات السعيدة لا تليق بسوريين يركبون البحر، إلا من رحم ربي".
أنتج المسلسل وعرض في رمضان 2014، وقتها كانت قوافل الهجرة عبر البحر قد بدأت، ومعها بدأت حكايات الغرق والموت، ولكن البحر وقتها لم يكن بهذه الفجاجة بالقتل، ولعله كان كذلك، ولكن نحن على الأقل الذين لم ندرك بأنه هكذا، وربما تجاهلنا أنه هكذا.
بكل الأحوال سيحفظ للعمل، كسب السباق، لا في التوثيق الدرامي لهجرة السوريين وموتهم، وإنما بفجيعة هذا الموت، بل وبالتنبيه إلى القادم الأسوأ.
حين عرض العمل مرت مشاهده بين تراجيديا ما نعيشه من قتل ودمار وتهجير والكوميديا التي تثيرها مفارقات هذا العيش، وحده المسلسل امتلك قدرة التبشير والتحذير، لكننا لم ندرك ما الذي يقوله.
وفي الحلقة الثلاثين، وقبيل النهاية/ نهاية المسلسل والعائلة، ستحتاج عائلة خليل لزجاجة ماء من أجل عطش الطريق، وستكتشف الأم فيحاء (ضحى الدبس) أن الماء مقطوع، وستخلص إلى قناعة أن لا نصيب لعائلتها بعد اليوم في ماء دمشق: "خلص انقطعت ميتنا من هون"، وسيخفف زوجها خليل من هول ما خلصت إليه: "ما في مشكلة عندهم هناك كتير م."، تمر جملة خليل بلا أثر وقتها على كثير منا، وربما أثارت ضحك بعضنا على ذاك البخيل، من دون أن نعرف جميعاً، أن الماء الكثير هناك هو لقتلنا لا لإطفاء عطشنا.
وفي نهاية المسلسل/ نهاية العائلة سنشهد ولادة فداء (أمل عرفة)، حيث ستنجب خلف المتراس فتاة تناديها خالتها ياسمين (لوريس قزق) بـ"سيرينا" (سورية)... ستولد الطفلة على إيقاع الرصاص، وعلى إيقاع الماء أيضاً الذي بدأ ينهال من الصنبور ويغرق المكان من حوله، سريالياً كان المشهد بالنسبة لنا، لم ندركه بكل أبعاده، فمر كما مر سواه.
في لقطة قريبة تحضن فداء ابنتها الوليدة وتعاهدها: "والله لاشتريلك الحياة، وادفع حقها عمري.." سيمر المشهد بشحنته الوجدانية، دون أن ندرك أيضاً أن حياة البعض منا باتت تشترى بحياة البعض.
يستمر سقوط الماء في بيت أبو عادل، سيغرق البيت بماء الوطن، قبل أن يغرق أهله بماء الغربة، وفي الحالتين سينشغل عما يحدث بالخصام حول لعبة ورق.
وكم سيبدو ممدوح حمادة متفائلاً، حين تغرق عائلة أبو عادل بأكملها قبالة الشواطئ الإيطالية، وينقذ خفر السواحل الطفلة "سيرينيا" بعد أن ربطتها أمها بوعاء بلاستيكي... هنا عند هذا التفصيل من المشهد، يبدو اليوم أن مسلسل "الحقائب" بالغ بتفاؤله رغم سوادية مشاهد مسلسله، حين ترك الطفلة تنجو من الموت.
ماتت الطفلة بعد سنتين من تاريخ نهاية الحلقة الثلاثين..قبلها مات كثيرون، بعدها مات كثيرون...وبعد كل هؤلاء سيموت كثيرون...لا شيء سيردعنا، عن البحر، ما دام هو فج الخلاص...حتى صرنا قصة في سيناريو الموت ذاته، تتكرر كل يوم.
اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون.. مأساة القرن
أنتج المسلسل وعرض في رمضان 2014، وقتها كانت قوافل الهجرة عبر البحر قد بدأت، ومعها بدأت حكايات الغرق والموت، ولكن البحر وقتها لم يكن بهذه الفجاجة بالقتل، ولعله كان كذلك، ولكن نحن على الأقل الذين لم ندرك بأنه هكذا، وربما تجاهلنا أنه هكذا.
بكل الأحوال سيحفظ للعمل، كسب السباق، لا في التوثيق الدرامي لهجرة السوريين وموتهم، وإنما بفجيعة هذا الموت، بل وبالتنبيه إلى القادم الأسوأ.
حين عرض العمل مرت مشاهده بين تراجيديا ما نعيشه من قتل ودمار وتهجير والكوميديا التي تثيرها مفارقات هذا العيش، وحده المسلسل امتلك قدرة التبشير والتحذير، لكننا لم ندرك ما الذي يقوله.
وفي الحلقة الثلاثين، وقبيل النهاية/ نهاية المسلسل والعائلة، ستحتاج عائلة خليل لزجاجة ماء من أجل عطش الطريق، وستكتشف الأم فيحاء (ضحى الدبس) أن الماء مقطوع، وستخلص إلى قناعة أن لا نصيب لعائلتها بعد اليوم في ماء دمشق: "خلص انقطعت ميتنا من هون"، وسيخفف زوجها خليل من هول ما خلصت إليه: "ما في مشكلة عندهم هناك كتير م."، تمر جملة خليل بلا أثر وقتها على كثير منا، وربما أثارت ضحك بعضنا على ذاك البخيل، من دون أن نعرف جميعاً، أن الماء الكثير هناك هو لقتلنا لا لإطفاء عطشنا.
وفي نهاية المسلسل/ نهاية العائلة سنشهد ولادة فداء (أمل عرفة)، حيث ستنجب خلف المتراس فتاة تناديها خالتها ياسمين (لوريس قزق) بـ"سيرينا" (سورية)... ستولد الطفلة على إيقاع الرصاص، وعلى إيقاع الماء أيضاً الذي بدأ ينهال من الصنبور ويغرق المكان من حوله، سريالياً كان المشهد بالنسبة لنا، لم ندركه بكل أبعاده، فمر كما مر سواه.
في لقطة قريبة تحضن فداء ابنتها الوليدة وتعاهدها: "والله لاشتريلك الحياة، وادفع حقها عمري.." سيمر المشهد بشحنته الوجدانية، دون أن ندرك أيضاً أن حياة البعض منا باتت تشترى بحياة البعض.
يستمر سقوط الماء في بيت أبو عادل، سيغرق البيت بماء الوطن، قبل أن يغرق أهله بماء الغربة، وفي الحالتين سينشغل عما يحدث بالخصام حول لعبة ورق.
وكم سيبدو ممدوح حمادة متفائلاً، حين تغرق عائلة أبو عادل بأكملها قبالة الشواطئ الإيطالية، وينقذ خفر السواحل الطفلة "سيرينيا" بعد أن ربطتها أمها بوعاء بلاستيكي... هنا عند هذا التفصيل من المشهد، يبدو اليوم أن مسلسل "الحقائب" بالغ بتفاؤله رغم سوادية مشاهد مسلسله، حين ترك الطفلة تنجو من الموت.
ماتت الطفلة بعد سنتين من تاريخ نهاية الحلقة الثلاثين..قبلها مات كثيرون، بعدها مات كثيرون...وبعد كل هؤلاء سيموت كثيرون...لا شيء سيردعنا، عن البحر، ما دام هو فج الخلاص...حتى صرنا قصة في سيناريو الموت ذاته، تتكرر كل يوم.
اقرأ أيضاً: اللاجئون السوريون.. مأساة القرن