أحد أكثر الخيارات التي يميل إليها صنّاع السينما التجارية في مصر، في الأعوام الـ15 الأخيرة تقريباً، كامنٌ في أسلوب الحكايات المختلفة والشخصيات الكثيرة المتقاطعة، في زمان ومكان محدّدين. الأمثلة كثيرة، أوّلها وأنجحها فيلما "كباريه" (2008)، و"الفرح" (2009)، للمخرج سامح عبد العزيز والكاتب أحمد عبد الله، وآخرها "يوم وليلة" (2020)، لأيمن مكرم، الذي بدأ عرضه مطلع العام الجاري.
بعد أسابيع قليلة، تبدأ عروض "صندوق الدنيا" للمؤلّف والمخرج عماد البهات، بعد 13 عاماً على آخر فيلمٍ له "البلياتشو" (2007)، مستخدماً في إنتاجه الجديد المعطيات الدرامية والإنتاجية نفسها لهذا النوع: شخصيات كثيرة، ممثلون معروفون، لكنّهم ليسوا نجوم شبّاك تذاكر، وإطار زمني واضح (أقل من 12 ساعة)، ومكان محدّد: منطقة وسط البلد في القاهرة.
ضمن هذا الإطار، استطاع عماد البهات، في جوانب من فيلمه هذا، تقديم سرد وشكل مختلفين عن الأفلام الأخرى، وإنْ بقي أسير النوع نفسه للحكايات والرؤية النهائية إزاء الناس في مصر، في تلك اللحظة، من دون أي إضافة.
اختلاف عماد البهات، وهذا أحد أبرز مميزات فيلمه، متمثّل بجعل القصص القصيرة تُروى كاملة في فصولٍ متتابعة، لكلّ فصل منها اسم، وليس بالتوازي الزمني كالأفلام الأخرى السابق ذكرها، مع فقرة قصيرة لساحرٍ يؤدّي ألاعيبه بين القصص، كرابط شكلي جيّد ومُعبّر ذهنياً عن معاناة أبطاله.
البداية مع "الحلم": سائق ميكروباص من الريف، يخاف القاهرة، ويهجس بأنّه سيفقد ابنه. هذا ما يحدث فعلاً في زحام المدينة، قبل أن يؤدّي إلى نهاية مأساوية. ثم "الكومبارس": تسعى امرأة إلى العودة للتمثيل، بعد سنين على زواجها. مقابل هذا، تقدّم رشوة جنسية لمورّد ممثلي الأدوار الصغيرة في أفلام ومسلسلات. ثم "ممرات الخوف"، وبطلها زوج ممثلة القصة السابقة، وتأثير خيانتها عليه، إلى درجة التفكير في قتلها. هناك "الرهان"، عن ممرضة تتزوّج طبيبها عرفياً، ثم يسرق ورقة الزواج منها. أخيراً، تتقاطع الحكايات والشخصيات في الفصل الـ5، وصولاً إلى ختام هذا اليوم العاصف في حياة كلّ واحد منهم.
اقــرأ أيضاً
خيار السرد فعّال، من ناحية وحدة كلّ حكاية، وإتاحة الفرصة للممثلين للتعبير عن مشاعرهم، من دون مونتاج لاهث ومتقاطع، وفي حكاياتهم التي تمتلك مساحة أداء مختلف، كان التمثيل فيها ممتازاً، وتحديداً خالد الصاوي وأحمد كمال (القصة الثالثة)، وباسم سمرة، في دور صغير وملائم جداً له (القصة الأولى).
يُحسب للفيلم أيضاً أنّ التصوير في الشارع جيدٌ، مع التنبّه إلى التضييق الرقابي والأمني في مصر حالياً، بخصوص التصوير في وسط البلد.
مقابل تلك المميزات، التي تجعل الفيلم جاداً ومقبولاً في أسوأ الأحوال، فإنّ ما لا يذهب بـ"صندوق الدنيا" إلى مكانٍ أبعد هو التقليدية الشديدة في نوع الحكايات والأفكار التي تتحكّم به. اللافت للانتباه أنّ هذا الفيلم، مع "يوم وليلة"، يتناولان الفكرة نفسها: القهر، وأنّ الشخصيات (مع اختلاف السرد) تدور في متتالية عنف مكتوم تجاه بعضها البعض.
لا توجد مشكلة، ربما، في غلبة فكرة ما (وإنْ تكن أول ما يطرأ على الذهن) على أفلام مُنتجة في الحقبة الزمنية نفسها. لكنّ المشكلة الأكبر لـ"صندوق الدنيا" كامنةٌ في اختيار الحكايات. الرشوة الجنسية لتحقيق هدفٍ ما، واستغلال طبيب لممرضة وسرقة عقد الزواج منها، والأبكم الذي يحبّ سيدة جميلة، ومشاهد السخرية والرثاء من شعراء المدينة ومثقفيها، أمورٌ شوهدت سابقاً في مسلسلات وأفلام أخرى، علماً أنّ عماد البهات عاجزٌ عن منح فيلمه حكايات حيّة ومختلفة، تتلاءم مع شكلٍ سرديّ طموح.
ضمن هذا الإطار، استطاع عماد البهات، في جوانب من فيلمه هذا، تقديم سرد وشكل مختلفين عن الأفلام الأخرى، وإنْ بقي أسير النوع نفسه للحكايات والرؤية النهائية إزاء الناس في مصر، في تلك اللحظة، من دون أي إضافة.
اختلاف عماد البهات، وهذا أحد أبرز مميزات فيلمه، متمثّل بجعل القصص القصيرة تُروى كاملة في فصولٍ متتابعة، لكلّ فصل منها اسم، وليس بالتوازي الزمني كالأفلام الأخرى السابق ذكرها، مع فقرة قصيرة لساحرٍ يؤدّي ألاعيبه بين القصص، كرابط شكلي جيّد ومُعبّر ذهنياً عن معاناة أبطاله.
البداية مع "الحلم": سائق ميكروباص من الريف، يخاف القاهرة، ويهجس بأنّه سيفقد ابنه. هذا ما يحدث فعلاً في زحام المدينة، قبل أن يؤدّي إلى نهاية مأساوية. ثم "الكومبارس": تسعى امرأة إلى العودة للتمثيل، بعد سنين على زواجها. مقابل هذا، تقدّم رشوة جنسية لمورّد ممثلي الأدوار الصغيرة في أفلام ومسلسلات. ثم "ممرات الخوف"، وبطلها زوج ممثلة القصة السابقة، وتأثير خيانتها عليه، إلى درجة التفكير في قتلها. هناك "الرهان"، عن ممرضة تتزوّج طبيبها عرفياً، ثم يسرق ورقة الزواج منها. أخيراً، تتقاطع الحكايات والشخصيات في الفصل الـ5، وصولاً إلى ختام هذا اليوم العاصف في حياة كلّ واحد منهم.
خيار السرد فعّال، من ناحية وحدة كلّ حكاية، وإتاحة الفرصة للممثلين للتعبير عن مشاعرهم، من دون مونتاج لاهث ومتقاطع، وفي حكاياتهم التي تمتلك مساحة أداء مختلف، كان التمثيل فيها ممتازاً، وتحديداً خالد الصاوي وأحمد كمال (القصة الثالثة)، وباسم سمرة، في دور صغير وملائم جداً له (القصة الأولى).
يُحسب للفيلم أيضاً أنّ التصوير في الشارع جيدٌ، مع التنبّه إلى التضييق الرقابي والأمني في مصر حالياً، بخصوص التصوير في وسط البلد.
مقابل تلك المميزات، التي تجعل الفيلم جاداً ومقبولاً في أسوأ الأحوال، فإنّ ما لا يذهب بـ"صندوق الدنيا" إلى مكانٍ أبعد هو التقليدية الشديدة في نوع الحكايات والأفكار التي تتحكّم به. اللافت للانتباه أنّ هذا الفيلم، مع "يوم وليلة"، يتناولان الفكرة نفسها: القهر، وأنّ الشخصيات (مع اختلاف السرد) تدور في متتالية عنف مكتوم تجاه بعضها البعض.
لا توجد مشكلة، ربما، في غلبة فكرة ما (وإنْ تكن أول ما يطرأ على الذهن) على أفلام مُنتجة في الحقبة الزمنية نفسها. لكنّ المشكلة الأكبر لـ"صندوق الدنيا" كامنةٌ في اختيار الحكايات. الرشوة الجنسية لتحقيق هدفٍ ما، واستغلال طبيب لممرضة وسرقة عقد الزواج منها، والأبكم الذي يحبّ سيدة جميلة، ومشاهد السخرية والرثاء من شعراء المدينة ومثقفيها، أمورٌ شوهدت سابقاً في مسلسلات وأفلام أخرى، علماً أنّ عماد البهات عاجزٌ عن منح فيلمه حكايات حيّة ومختلفة، تتلاءم مع شكلٍ سرديّ طموح.