14 أكتوبر 2024
"صفقة القرن" لإنقاذ أهل غزة
هناك تحضيرات تجري على قدم وساق، للاستناد إلى الوضع الإنساني ومعاناة الفلسطينيين في قطاع غزة المحاصر، وتمرير صفقة القرن المزعومة عبر اقتراب غير سياسي. بعد أن بدت واضحة صعوبة تمريرها في إطار سياسي بحت، إذ يتطلب تسوياتٍ وتفاهماتٍ بشأن الملفات الجوهرية التي عرفت باسم قضايا "الوضع النهائي". فالاقتراب السياسي سيضع تل أبيب أمام مسؤولياتها، ويفرض عليها، وعلى واشنطن بالطبع، الرد على أسئلةٍ لا تقبل المساومة أو نصف إجابات. مثلاً، إما أن يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى بيوتهم وأراضيهم أو لا. وإما أن تكون الدولة الفلسطينية ذات سيادة، ولها حدود واضحة معترف بها، أي تكون "دولة" بالفعل، أو لا.
ربما كانت القدس القضية الوحيدة التي يمكن التلاعب فيها سياسياً، بالتقسيم أو بالتدويل أو بالسطو عليها كاملة. وفي كل الحالات، تظل القدس الرقم الأصعب في الحل النهائي، بحكم وضعها الديني وقدسيتها عند العرب والإسرائيليين في آن واحد. فحتى القدس التي يمكن بشأنها إيجاد حلول سياسية التفافية، تخضع لقيد الدين لدى الجانبين.
ومع تكرار الحديث عن "صفقة القرن" خلال الأشهر الماضية، وتسريب بعض ملامحها، تتكرر ردود الفعل الرافضة لها، على المستويات، الشعبي والإعلامي والرسمي. خصوصاً من الفلسطينيين، الطرف الأصيل المعني بالقضية وبالصفقة المزعومة.
لم يكن بدُ، إذن، من البحث عن مدخل آخر لتمرير الصفقة، وليس أفضل من المدخل الإنساني والإغاثي. ففي الأوضاع التي تستلزم تدخلاً إنسانياً، تسقط كل الحجج والمواقف السياسية، وتتراجع كل اللاءات المبدئية. وما أسهل تأزيم الموقف بين غزة ورام الله، لمنع المصالح وقطع الطريق على أي فرصة لتحسين الموقف التفاوضي الفلسطيني. لتكتمل حلقة التحضير للاقتراب الإنساني، بتكثيف الضغوط على حركة حماس والمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة إلى أقسى وأقصى حد ممكن، فيتم تشديد الحصار ومنع وصول المساعدات والاحتياجات الأساسية، بحيث تتردّى الأوضاع الإنسانية هناك إلى حدٍّ يصعب استمراره. ويصبح رفع المعاناة الإنسانية للفلسطينيين المطلب الأساس والتحدي العاجل أمام كل الأطراف، ويتولى الإعلام تضخيم هذا الوضع، ورفع شعار "أنقذوا الفلسطينيين". وتتبدل الرسالة الإعلامية التي تنتقد حالياً الفلسطينيين، وتعتبر غزة عبئاً على مصر والأردن والدول العربية، لتدعو إلى مد يد المساعدة إلى الفلسطينيين، ورفع المعاناة عنهم، وأن المروءة العربية تقضي بعدم التخلي عن الفلسطينيين، أياً كان الثمن المبذول من أجل ذلك.
ليس هذا التوقع من خيال الكاتب، أو مجرد تفنيد منطقي للمخارج المحتملة لإنقاذ "صفقة القرن"، بل هناك من الإشارات والتسريبات ما يعضد هذه التوقعات، منها تنظيم الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي، مؤتمر عن الوضع الإنساني في قطاع غزة. في تصرفٍ مُناقض كل المواقف الأميركية السابقة التي طالما تجاهلت أهل غزة وتعامت عن معاناتهم الإنسانية، بل كانت دائماً شريكاً في المسؤولية عنها مع تل أبيب.
من المؤشرات أيضاً ما نشرته "العربي الجديد"، السبت الماضي (17 /3/ 2018) عن تشكيل لجنة مشتركة بين الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، تتولى القيام بمهام إنسانية وإغاثية لصالح الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة المحاصر. وهو ما يتسق مع تسريباتٍ أخرى عن تفكير في نقل مشروعي الميناء والمطار اللذين كان مقرراً إنشاؤهما في غزة (ضمن تفاهمات أوسلو قبل عشرين عاماً). على أن تتولى مصر إنشاءهما في العريش، أو منطقة أخرى قريبة من سواحل غزة، ليكونا تحت سيطرة القاهرة وإشرافها، لخدمة أهل القطاع.
قد يدعو ذلك الاهتمام المفاجئ بالوضع الإنساني في غزة إلى التساؤل، بل والاندهاش. لكن بالنظر إلى تزامنه مع التحضير لصفقة القرن، واستمرار صعوبات تمريرها سياسياً، يكون الوضع الإنساني الباب الأسهل والحُجة الأكثر أخلاقية، لتمرير صفقة كهذه، بعيدة عن الأخلاق بُعدها عن الإنسانية.
ربما كانت القدس القضية الوحيدة التي يمكن التلاعب فيها سياسياً، بالتقسيم أو بالتدويل أو بالسطو عليها كاملة. وفي كل الحالات، تظل القدس الرقم الأصعب في الحل النهائي، بحكم وضعها الديني وقدسيتها عند العرب والإسرائيليين في آن واحد. فحتى القدس التي يمكن بشأنها إيجاد حلول سياسية التفافية، تخضع لقيد الدين لدى الجانبين.
ومع تكرار الحديث عن "صفقة القرن" خلال الأشهر الماضية، وتسريب بعض ملامحها، تتكرر ردود الفعل الرافضة لها، على المستويات، الشعبي والإعلامي والرسمي. خصوصاً من الفلسطينيين، الطرف الأصيل المعني بالقضية وبالصفقة المزعومة.
لم يكن بدُ، إذن، من البحث عن مدخل آخر لتمرير الصفقة، وليس أفضل من المدخل الإنساني والإغاثي. ففي الأوضاع التي تستلزم تدخلاً إنسانياً، تسقط كل الحجج والمواقف السياسية، وتتراجع كل اللاءات المبدئية. وما أسهل تأزيم الموقف بين غزة ورام الله، لمنع المصالح وقطع الطريق على أي فرصة لتحسين الموقف التفاوضي الفلسطيني. لتكتمل حلقة التحضير للاقتراب الإنساني، بتكثيف الضغوط على حركة حماس والمواطنين الفلسطينيين في قطاع غزة إلى أقسى وأقصى حد ممكن، فيتم تشديد الحصار ومنع وصول المساعدات والاحتياجات الأساسية، بحيث تتردّى الأوضاع الإنسانية هناك إلى حدٍّ يصعب استمراره. ويصبح رفع المعاناة الإنسانية للفلسطينيين المطلب الأساس والتحدي العاجل أمام كل الأطراف، ويتولى الإعلام تضخيم هذا الوضع، ورفع شعار "أنقذوا الفلسطينيين". وتتبدل الرسالة الإعلامية التي تنتقد حالياً الفلسطينيين، وتعتبر غزة عبئاً على مصر والأردن والدول العربية، لتدعو إلى مد يد المساعدة إلى الفلسطينيين، ورفع المعاناة عنهم، وأن المروءة العربية تقضي بعدم التخلي عن الفلسطينيين، أياً كان الثمن المبذول من أجل ذلك.
ليس هذا التوقع من خيال الكاتب، أو مجرد تفنيد منطقي للمخارج المحتملة لإنقاذ "صفقة القرن"، بل هناك من الإشارات والتسريبات ما يعضد هذه التوقعات، منها تنظيم الإدارة الأميركية، الأسبوع الماضي، مؤتمر عن الوضع الإنساني في قطاع غزة. في تصرفٍ مُناقض كل المواقف الأميركية السابقة التي طالما تجاهلت أهل غزة وتعامت عن معاناتهم الإنسانية، بل كانت دائماً شريكاً في المسؤولية عنها مع تل أبيب.
من المؤشرات أيضاً ما نشرته "العربي الجديد"، السبت الماضي (17 /3/ 2018) عن تشكيل لجنة مشتركة بين الولايات المتحدة ومصر وإسرائيل، تتولى القيام بمهام إنسانية وإغاثية لصالح الفلسطينيين، خصوصاً في قطاع غزة المحاصر. وهو ما يتسق مع تسريباتٍ أخرى عن تفكير في نقل مشروعي الميناء والمطار اللذين كان مقرراً إنشاؤهما في غزة (ضمن تفاهمات أوسلو قبل عشرين عاماً). على أن تتولى مصر إنشاءهما في العريش، أو منطقة أخرى قريبة من سواحل غزة، ليكونا تحت سيطرة القاهرة وإشرافها، لخدمة أهل القطاع.
قد يدعو ذلك الاهتمام المفاجئ بالوضع الإنساني في غزة إلى التساؤل، بل والاندهاش. لكن بالنظر إلى تزامنه مع التحضير لصفقة القرن، واستمرار صعوبات تمريرها سياسياً، يكون الوضع الإنساني الباب الأسهل والحُجة الأكثر أخلاقية، لتمرير صفقة كهذه، بعيدة عن الأخلاق بُعدها عن الإنسانية.