كانَ يفترض أن تشارك الدول العربية باليوم الدولي لمحو الأمية، الذي يحتفل به العالم اليوم. إلا أن الأرقام التي تشير إلى ارتفاع هذه الظاهرة لا تشجع على الأمر. وفي مصر، دقّ عدد من خبراء التعليم ناقوس الخطر، في ظل ازدياد نسبة الأمية خلال السنوات الأخيرة، مؤكدين أنهت تعد عائقاً أمام التنمية وبناء اقتصاد قوي لأي دولة.
وتعد مصر إحدى أكثر الدول العربية التي تعاني من الأمية، يليها السودان والجزائر والمغرب واليمن والصومال وموريتانيا. في السياق، يقول أستاذ أصول التربية والخبير في المركز القومي لتطوير المناهج كمال حامد، إن الدول العربية تنفق نحو 70 في المائة من الميزانيات المخصصة لمحو الأمية كرواتب وأجور ومكافآت، من دون أي متابعة لنتائج تلك العملية على أرض الواقع.
في الوقت نفسه، يشير إلى ارتفاع نسبة الأمية في المنطقة العربية، التي وصلت إلى أكثر من 27 في المائة من إجمالي عدد السكان، البالغ 350 مليون نسمة، وهذا رقم خطير وتحدٍ كبير أمام هذه الدول التي فشلت في التصدي لتلك الظاهرة الخطيرة، علماً أن هذه النسبة لا تزيد عن 3 في المائة في الدول المتقدمة، على حد قوله. ويرى أن هناك مشاكل كبيرة في السياسات التعليمية والإدارات التربوية في الدول العربية، وحشو في المناهج، ونقص في إعداد وتأهيل الأساتذة، وتراجع قيمة التعليم، ما أدى إلى ترك كثيرين مدارسهم.
يضيف حامد أن "كوريا الشمالية على سبيل المثال نجحت في القضاء على الأمية، لأنها ترى أن الأهم هو إصلاح العقول"، مطالباً بضرورة استيعاب جميع المشاكل التي يعاني منها قطاع التعليم في دول المنطقة. يتابع أن مصر تعد من أكثر الدول العربية التي تعاني من الأمية، ويقدر العدد بحوالى 17 مليون أمي أي بنسبة 20 في المائة من عدد السكان. إلا أنه يشير إلى أن تقارير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونيسكو) تشير إلى أن النسبة أعلى من ذلك بكثير، وتصل إلى 40 في المائة.
ويرى حامد أن انتشار الأمية فى مصر يرتبط بنواحي عدة، منها تاريخي أيام فترة الاحتلال، حين اقتصر التعليم على شريحة محددة من أبناء الشعب، عدا عن اختلاف مستوى التعليم بين الريف والحضر، وضعف الكتب والمواد التعليمية، بالإضافة إلى أسباب سياسية تتمثل في عدم توفر الإرادة الحقيقية لحل تلك المشكلة والتصدي لها، وعدم توفير الدعم الحقيقي لمواجهة تلك المشكلة، وقلة المشاركة الشعبية والرسمية، والحالة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، والتي انعكست على عدد من الأسر. ويلفت إلى اضطرار عدد كبير من العائلات، وخصوصاً الفقيرة، حرمان أولادهم من التعليم، بسبب الأحداث التي مرت بها البلاد عقب ثورة 25 يناير/كانون الثاني، وضعف مردودها الاقتصادي، مؤكداً في الوقت نفسه أن هناك قناعة لدى الطبقة الفقيرة بأن العمل أفضل للطفل من التعليم.
اقرأ أيضاً: مصر تواجه غول الأمية بالتصريحات الإعلامية
بدوره، يوضح رئيس جامعة النهضة صديق عفيفي أن عدداً من الدول العربية استحدثت "هيئة لمحو الأمية" منذ سنوات، مؤكداً في الوقت نفسه أن النتيجة "صفر" بسبب عدم المتابعة من قبل الدولة. يضيف أن الأموال تنفق من دون أي مردود، ما يؤدي إلى زيادة نسبة الأمية في دول المنطقة. ويطالب بضرورة ضمان مجانية التعليم وإلزاميته، ووضع إستراتيجية وطنية شاملة لمحو الأمية، واعتبار منظمات المجتمع المدني شريكة في تنفيذ هذه الحملة الوطنية، بالإضافة إلى تفعيل القوانين الداعمة لجهود القضاء على الأمية.
ويلفت إلى أن الأمية تعد عائقاً في طريق التنمية وبناء اقتصاد قوي لأي دولة. يتابع أن عدداً من الدول العربية لا تهتم كثيراً باليوم العالمي لمحو الأمية، حتى لا تتذكر ربما خطورة الأمر.
من جهته، يقول رئيس رابطة أساتذة محو الأمية ياسر نصير، إنه في حال أرادت الدول العربية التقدم، عليها الاهتمام بالعملية التعليمية، ومحاربة الأمية، وخصوصاً أننا نعيش في عصر التكنولوجيا والمعلومات. ويؤكد أن المشاكل الاقتصادية أدت إلى تسرب عدد كبير من التلاميذ والعمل في ظروف قاهرة. ويشير إلى أن الحروب التي تشهدها عدد من الدول العربية في الوقت الحالي سيكون لها دور كبير في تفشي ظاهرة ترك المدرسة، على غرار ما يحدث في سورية، وهروب كثير من الأسر إلى الخارج، عدا عن تدمير المدارس في عدد من المحافظات السورية، بالإضافة إلى معاناة الفلسطينيين في ظل الاحتلال الإسرائيلي، وظروف الناس الصعبة في كل من ليبيا واليمن.
يتابع نصير أنه "في حال أردنا إنجاح الحملات الشاملة لمحو الأمية، لابد من التنسيق مع منظمات المجتمع المدني والوزارات المعنية كالتربية والتعليم، والصحة والسكان وغيرها، وإلزام القطاع الحكومي بتخصيص ساعة يومياً لمحو الأمية للعاملين فيه، وحصر الأجهزة المحلية عدد الأميين، وحث الشباب على مساعدة ذويهم".
اقرأ أيضاً: مصر تواجه غول الأمية بالتصريحات الإعلامية