"صبّح على الباشا" في سجون مصر

24 نوفمبر 2017
العملة داخل السجون هي السجائر (محمد الشاهد/ فرانس برس)
+ الخط -

أمام أحد أكشاك وسط البلد في القاهرة، وقف أحدهم طالباً علبة سجائر "كليوباترا"، وهي نوع محلي قد يكون الأرخص في السوق. ردّ البائع: "15 جنيهاً". فعلّق المشتري: "ليه؟ كانت بـ 11". وأنهى البائع الحوار قائلاً: "إنت مش عايش في الدنيا ولا إيه؟ السجائر غليت الساعة 12 بالليل". وضع المشتري العلبة من يده وغادر مستنكراً وهو يتمتم. "يعني هو القرار بيتطبق من تاني يوم! ما هي عندك من قبل الزيادة ولّا هو استغلال والسلام؟!".

ويؤثّر قرار رفع أسعار السجائر على شريحة عريضة من المصريين، إذ تُقدّر نسبة المدخنين في مصر بنحو 19.6 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغة أعمارهم 15 وما فوق، وفقاً لإحصاءات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري في تقرير عام 2016. وبحسب الجهاز نفسه، فإنّ نسبة المدخنين بين الذكور تصل إلى 41 في المائة فيما لا تصل إلى واحد في المائة بين الإناث. كذلك فإنّ 22.5 من الشباب في الفئة العمرية 25 - 44 عاماً مدخّنون، وأكثر من 60 في المائة من إجمالي المدخنين يدخّنون ما بين 15 و24 سيجارة يومياً.

بعيداً عن كل هؤلاء المتضررين من ارتفاع أسعار السجائر، المدخّنين، وعن المتضررين من التدخين السلبي، غير المدخّنين، فإنّ ثمّة فئة أخرى في مصر قد تكون الأكثر تضرراً على الإطلاق بين الجميع سواءً كانوا مدخّنين أو غير مدخّنين. هؤلاء هم القابعون في السجون.

العملة داخل السجون هي السجائر. هذه هي الحقيقة التي تختفي وراء جدران مقار الاحتجاز في مصر. فقرارٌ من ذلك القبيل من شأنه أن يمثّل مزيداً من الأعباء على أُسر المسجونين، إذ يتوجّب عليها إيداع مبالغ مالية أكبر في ودائع أبنائها من أجل تمكينهم من التعامل داخل السجن.

ومع كل زيادة في أسعار السجائر، فإنّ آلاف الأسر ممّن لديها مساجين تتحمّل هموماً إضافية، لأنّ "خرطوشة السجائر كليوباترا هي أهمّ الحاجات في إعاشة كلّ سجين وسجينة"، بحسب ما تقول الناشطة السياسية منى سيف، شقيقة الناشط المعتقل علاء عبد الفتاح.

من جهته، يقول شقيق أحد المساجين، وقد تحفّظ عن ذكر اسمه لـ"العربي الجديد"، إنّ "النقود في السجون العمومية في مصر هي السجائر. يعني أنّ المسجون يشتري ويأكل ويشرب بالسجائر. فثمن وجبة غداء مميزة مع لحوم قد يرتفع ثمنها مثلاً إلى خرطوشة سجائر ميريت أو مارلبورو أو دانهيل، والفراخ ثمنها خرطوشة كليوباترا". يضيف أنّه "من الممكن التحكّم بكلّ شيء داخل السجن من خلال السجائر، مثلاً الخروج من الزنزانة في غير أوقات التريّض، أو السماح بمقادير إضافية من الطعام (التعيين بلغة السجون)، أو دخول الحمام، أو عدم المشاركة في التنظيف والأعمال الشاقة، وغيرها".


ويشير سجين سياسي أفرج عنه أخيراً لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "السجائر داخل الحبس نفسه قد تكون الحلّ الوحيد لتفادي بطش البلطجية والمجرمين العتاولة (النبطشية بلغة السجون)، إذ هي قد تدفعهم إلى كفّ أيديهم عن السجناء وتركهم في سلام من دون المساس بهم أو بمتعلقاتهم الخاصة". يضيف أنّ "السجائر قد تضمن إجراء السجين مكالمات هاتفية من داخل الحبس، من خلال أجهزة هاتف محمول موجودة مع المرضِيّ عنهم من السجناء أو مع العساكر ومسؤولي التأمين". ويتابع أنّ عبارة "صبّح على الباشا" هي الجملة التي يسمعها السجناء لكسب ود الضباط والعساكر.

ويوضح السجين المفرج عنه نفسه، أنّ "التعامل بالسجائر هو من أجل ترتيب أوضاع السجين. وهذا التعامل يختلف من سجن إلى آخر. مثلاً من يرغب في ترتيب أوضاعه، يطلب من أهله إحضار سجائر ويسلّمها إلى الشخص المسؤول عن التفتيش خلال الزيارة، أو يبقيها معه ليتعامل بها داخل السجن". لكنّه يلفت إلى أنّ "في سجون أخرى، العملة أغلى بكثير، من قبيل حبوب الفياغرا. ومن يرغب في ترتيب أوضاعه، يسلّم المعنيين فياغرا مع السجائر، هكذا يضمن رضاهم التام عليه".

وكان مجلس النواب المصري قد وافق في جلسته العامة الثلاثاء الماضي، على مشروع قانون مقدّم من قبل الحكومة يقضي بتعديل بعض أحكام قانون القيمة المضافة رقم 67 لسنة 2016، الأمر الذي أثّر على أسعار السجائر بواقع 75 قرشاً للشريحة الأولى، و125 قرشاً لكلّ من الشريحة الثانية والثالثة مع زيادة المدى السعري لهذه الشرائح الثلاث من خلال زيادة الحدّ الأقصى للشريحة الأولى من 13 جنيهاً (نحو 0.75 دولار أميركي) إلى 18 جنيهاً (نحو 1.02 دولاراً)، والشريحة الثانية من 23 جنيهاً (نحو 1.3 دولار) إلى 30 جنيهاً (نحو 1.7 دولار) على أن تتضمن الشريحة الثالثة أنواع السجائر التي يزيد سعرها عن 30 جنيهاً.

ونصّ الجدول المرفق بمشروع القانون على أن تكون الضريبة 350 قرشاً (0.02 دولار) للعبوة التي لا يزيد سعر بيعها للمستهلك النهائي عن 18 جنيهاً، و550 قرشاً (0.032 دولار) للعبوة التي لا يزيد سعر بيعها للمستهلك النهائي عن 18 جنيهاً وحتى 30 جنيهاً، و650 قرشاً (0.037 دولار) للعبوة التي يزيد سعر بيعها للمستهلك النهائي عن 30 جنيهاً.
تجدر الإشارة إلى أنّ مصر أقرّت زيادة أسعار السجائر من ضمن 364 سلعة أخرى في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2016، بنسب تتراوح ما بين 10 و60 في المائة بعد زيادة التعرفة الجمركية.