مزجت الشابة الفلسطينية عفاف ما بين اختصاصها الجامعي في هندسة الديكور وشغفها بالأرض والزراعة الذي ورثته عن والدها لتخرج بمشروع مميز يقبل كثيرون عليه.
تعيش عفاف مع أهلها وسط أرض مليئة بالمزروعات وأشجار الحمضيات والزيتون شرق بلدة جباليا، شمال قطاع غزة الفلسطيني المحاصر. منذ طفولتها ترافق والدها المهندس الزراعي الذي يهوى تربية الحيوانات والزراعة التي ورثها عن والده، تاركاً له وصية قبل وفاته بالحفاظ على الأرض وتعليم المهنة لأحفاده. اليوم تبرع عفاف من خلال مشروع "صبارة" وتحفظ وصية جدها.
عفاف محمد مسعود (18 عاماً)، طالبة في جامعة الأقصى تدرس هندسة الديكور. من خلال مشاريع زراعية وحيوانية عدة نفذها والدها في أرضهم اكتسبت معرفة كبيرة. هذا العام اهتمت أكثر في الصبّار بالرغم من أنّها تأذت منه في البداية، وبات مشروعها "صبارة" من أبرز المشاريع في عدد من معارض غزة.
فكرة عفاف بدأت عندما لاحظت أنّ نساء وفتيات كثيرات في غزة يملن إلى نبتة الصبار الصغيرة ويستخدمنها للزينة بعد وضعها في قارورة صغيرة بعد جلبها من المشاتل. بدأت تبتكر أشكالاً من الصبار الصغير بأسلوبها الخاص مع كتابة عبارات أدبية وأشعار على آنيتها.
صورة تذكاريّة (محمد الحجار) |
من الأسباب التي شجعت عفاف على المشروع، هو عزوف الفتيات والخريجات في غزة عن المشاريع الزراعية باعتبارها مشاريع ذكورية. لكنّها تشير إلى أنّ المرأة الفلسطينية عبر التاريخ كانت تزرع وتشارك أسرتها في الزراعة، وكانت نسبة الفلاحين في فلسطين تزيد على 65 في المائة من سكانها العرب قبل النكبة عام 1948، بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني "وفا". هي تفسر ذلك العزوف في أنّ غزة فيها كثافة سكانية عالية وندرة في الأراضي الزراعية، وبالتالي، تقتصر الزراعة على بعض الرجال الذين يعلمونها لأبنائهم، وهو الأمر الذي تعلمته هي بالذات من أسرتها فوجدت نفسها الفتاة الوحيدة التي تقوم على مشروع زراعي، فيه تزرع وتنتج وتبيع.
تمكنت عفاف عبر مواقع الإنترنت من الاطلاع على عالم الصبار الذي وجدت فيه اهتماماً كبيراً من المزارعين والمختصين. تعرفت على طرق العناية بالصبار، وأنواعه المختلفة وأهم مميزات كلّ نوع، والتصميمات العصرية، وبدأت تبتكر أسلوباً خاصاً في "صبارة". تقول لـ"العربي الجديد": "الفتيات والسيدات يملن إلى اقتناء الصبّار والعناية به، لأنّها سهلة، إذ إنّه يسقى كلّ بضعة أيام. أزرعه في حقلنا أسفل المنزل، بعدما تعلمت ذلك من أبي، ثم أجهزه وأزينه في قوارير وآنية زجاجية أو بورسلان أو خشبية أو في قفص صغير".
هدايا جميلة (محمد الحجار) |
منتصف هذا العام، كانت بداية عفاف مع زرع الصبّار وتحويله إلى هدايا. بدأت توزع منتجاتها تلك في المحلات المخصصة للزينة. بذلك، عرض عليها أحد المتاجر أن تشارك في معرض للمنتجات الحرفية، فكان ذلك في معرض "قرطبة" في أغسطس/ آب الماضي.
كذلك، شاركت في معرض "العون والأمل" لمرضى السرطان في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وهو معرض يفتح المجال للمبدعات في الأعمال اليدوية ويخصَّص جزء من الأرباح لمرضى السرطان. وشاركت أيضاً في معرض المنتجات الوطنية "غذاؤنا" في بداية شهر نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، وفي معرض "أرابيسك مقدسي" للمنتجات المحلية. وهي تعرض منتجاتها في أكبر المولات في غزة كلّ أسبوع، إلى جانب تسويقها عبر صفحة مشروعها "صبارة" على موقع فيسبوك، وأصبح يعود عليها بمردود مادي جيد بالنسبة إلى طالبة.
مزيد من الصبّار (محمد الحجار) |
تتولى عفاف بالتعاون مع زميلات لها من قسم الفنون الجميلة في الجامعة الكتابة على قوارير الصبار. وتعتبر أنّ نجاح المشروع يعود إلى مهارتها في دمج التصاميم العصرية مع الصبار، إلى جانب كتابة العبارات الأدبية والأبيات الشعرية أو إضافة الرسومات التعبيرية كصور الأشخاص والحيوانات. وتلائم الكتابات المناسبات التي تخص الزوجين أو الأصدقاء أو أعياد الميلاد، كما أنّ فيها جملاً تحفيزية. تقول: "كثير من المشترين يقدّرون ما قمت به من جهد في تصميم منتجاتي وتصميمها. بعض الزبائن يشترون الصبّار فقط لأجل العبارات المكتوبة على قواريرها".
من جهة أخرى، توضح أنّ أنواع الصبّار كثيرة، أما الأنواع الأكثر انتشاراً في غزة فهي "كرسي حماتي" و"أصابع الشاموزين" و"ساق البامبو"، وهو نوع يزرع في المياه وليس في التربة. وهناك الصبّار البلدي الذي تنتجه هي بالذات وتضعه في القوارير، وصبار صحراوي مميز يستورده والدها من الأراضي المحتلة عام 1948 من صحراء النقب.
مشروع "صبّارة" أصبح جزءاً مهماً من حياة عفاف. فقد جعلها تقبل على الزراعة وتحبها أكثر من ذي قبل: "أطمح مستقبلاً للعمل في مجال ديكور الحدائق والمزارع إلى جانب الحفاظ على مشروع صبّارة".