يعود التفكير في "مسرح الذاكرة" الذي أصبح شائعاً اليوم، في الأساس إلى جوليو كاميللو ديلمينيو (1480-1544) وكان أحد أبرز مفكري عصر النهضة الإيطالية، والذي طرحه كمشروع في كتابه "فكرة المسرح"، وفيه يرى أن المسرح منظم على سبعة مستويات، يرتبط كل منها بشخصية رمزية من الأساطير أو التاريخ.
رأى ديلمينيو أن من الممكن أرشفة جميع المعارف البشرية عبر المسرح، حيث وجد في أب الفنون بنية توفر إمكانية النظر داخل التاريخ البشري، ليس هذا فقط بل إنه أعاد تصور المسرح كعرض لمشاهد واحد، ما يثير في الأذهان صورة متفرج المسرح اليوم وهو يقف وحيداً أمام الشاشة بدلا من الخشبة.
ويستفيد المسرح نفسه بحسب نظرية ديلمينيو من تقنيات الذاكرة المسماة "فن الذاكرة"، وهي سلسلة من الأساليب التي تسمح بحفظ المعلومات بشكل أفضل من خلال ربط الأماكن الذهنية بالمعلومات، أو من خلال مكانية الذاكرة. ليس هذ فقط، بل أخذ ديلمينيو خطوة أخرى من خلال تخيل التجسيد الفعلي للذاكرة البشرية وتوسيعها إلى المعرفة الجماعية على الخشبة، مما يجعل المسرح بلغة عصرنا ووفقا لنظريته نوعًا من الموسوعة أو حتى الإنترنت.
وكانت المؤرخة الإنكليزية فرانسيس ييتس كتبت تفسيرًا مفصلًا لمسرح الذاكرة في كتابها الشهير "فن الذاكرة" الذي نشر عام 1966. ومؤخرًا عادت تجارب فنية ومؤرخو فنون العصور الوسطى إلى الاهتمام بموضوع كاميلو وفن الذاكرة.
يقدم العرض قراءة في التغييرات التي أحدثها الوباء في العالم والحياة اليومية
ومن ضمن هذه الاستعادات المعاصرة لمسرح الذاكرة يأتي العرض الأدائي "شمسك في شاشة، قمرٌ يلمع، انتفاضة"، الذي تقدمه الفنانتان بيان كيوان وجوليانا فاضل-لاتشكيف عند السابعة من مساء الغد السبت بتنظيم "دارة الفنون" في عمّان، ضمن المشروع الفني الافتراضي الذي أطلقته المؤسسة بعنوان "إنترنت الأشياء" منذ أن بدأت أزمة انتشار كوفيد-19.
يوظف العرض مسرح الذاكرة لديلمينيو كبنية ومحاولة للتعامل مع فوضى الوباء والانتفاضة في مدينة نيويورك، حيث تسكن الفنانتان حاليًا. من خلال مسرح الذاكرة، يستعرض المشروع كيف أن التغييرات التي أحدثها الوباء في العالم والحياة اليومية -والتي تشمل طريقة حركتنا ولباسنا وتفاعلنا مع بعضنا البعض ومع البيئة - تكشف بالفعل عن عالم آخر ممكن (إن كان ذلك للأفضل أو للأسوأ).
يُذكر أن كيوان فنانة وسائط متعددة، توثق في عملها التحولات المجتمعية، وهي متخصصة في العالم الحميم للمرأة، أما جوليانا فاضل-لاتشكيف فيدور عملها حول الظواهر والتقاليد والأحداث التي تجلّت في مواجهة الإمبريالية والعنصرية.