لم يكن غريباً أن ينضم، يوم أمس الأربعاء، عشرات الآلاف من الضباط والجنود في الجيش الإسرائيلي لمجموعة "شعب إسرائيل يريد انتقاماً"، التي دعت لتنفيذ عمليات انتقامية ضد الفلسطينيين في أعقاب الإعلان عن مقتل المستوطنين الثلاثة في الخليل. وقد دشنت المجموعة حساباً لها على "فيسبوك"، يستقطب أعضاء بشكل قياسي.
في ضوء المنهج التعليمي الذي يعتمده الجيش الإسرائيلي في تثقيف ضباطه وجنوده، لم يكن مستغرباً أن يبرز الضباط والجنود كأكثر أعضاء المجموعة الجديدة حماسةً لتنفيذ العمليات الانتقامية ضد الفلسطينيين، إذ لم يتردد بعض هؤلاء الضباط والجنود في تقديم مقترحات تفصيلية حول طابع عمليات الانتقام. ويكفي الاطلاع على المنهج التعليمي الذي تعتمده مدرسة الضباط في الجيش الإسرائيلي للعام 2014، والذي يتوجب على كل ضابط جديد استيعاب مواده.
احد أهم مركبات منهج إعداد الضباط يتمثل في مادة "تراث المقاتلين"، إذ تقوم الكلية العسكرية بتوزيع مؤلفات تتضمن التجارب الشخصية لضباط، يعتبرون، حسب عُرف الجيش الإسرائيلي، "رواداً وطلائعيين" أثروا بشكل كبير على الروح القتالية لهذا الجيش. وكما كشف تحقيق نشرته صحيفة "هآرتس" (في عددها الصادر في 20 يونيو/حزيران الماضي)، فإن أبرز التجارب الشخصية التي تحرص مدرسة الضباط على تضمينها لمنهاج العام الحالي، هو الاطلاع على "التراث القتالي" الخاص بمائير هارتسيون، أحد قادة "وحدة 101"، المسؤولة عن تنفيذ معظم المجازر التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي ضد المدنيين الفلسطينيين خلال خمسينيات ومطلع ستينيات القرن الماضي، والتي شكلها وقادها رئيس الحكومة الراحل أرييل شارون. وقد كانت "مجزرة قبية" في أكتوبر/تشرين الأول، من أبشع المجازر التي نفذتها هذه الوحدة، إذ أسفرت عن استشهاد عشرات الفلسطينيين وتدمير معظم منازل القرية التي تقع في محيط مدينة رام الله.
وقد طُلب من الضباط الجدد دراسة "يوميات مائير هارتسيون"، كمادة إجبارية، مع العلم أنه في يومياته، حثّ على قتل المدنيين الفلسطينيين العزل، ودافع عن تصفية الأسرى بعد استسلامهم، علاوة على استخفافه بشكل تظاهري بمشاعر ذوي الشهداء من الفلسطينيين.
وتباهى هارتسيون في يومياته بحقيقة أنه قام مطلع عام 1955، بتجاوز الحدود مع الأردن برفقة عدد من زملائه الجنود وقتل خمسة من أفراد قبيلة "الرشايده" انتقاماً لمقتل أخته وصديقها، على يد فلسطينيين. ويمتدح هارتسيون رئيس الوزراء الإسرائيلي، حينها، ديفيد بن غوريون، ووزير أمنه موشيه ديان، لأنهما رفضا اتخاذ أية إجراءات عقابية ضده، بل تمت ترقيته بعد الحادث، على الرغم من أنه لم يتأهل في دورة ضباط.
ويروي هارتسيون، في يومياته كيف قتل فلسطينيين أسَرَهما في إحدى القرى الفلسطينية، حيث أطلق عليهما النار من مسافة صفر. ويكشف أن قائده شارون، أثنى على صنيعه. وفي حادثة أخرى، يروي كيف تسلل على رأس مجموعة من جنوده إلى أحد البيوت في الخليل عام 1961، حيث شاهد صاحب المنزل يقف على الشرفة فأطلق عليه النار. ويصور كيف ظل الرجل يصرخ حتى سقط ميتاً، ثم اقتحم المنزل وقتل ثلاثة آخرين من قاطنيه، فكال له شارون المديح مرة أخرى بعد عودته.
ويتوسع هارتسيون، في حديثه عن تصفية الجنود الأردنيين الذين صادفهم خلال تنفيذ عملياته، على الرغم من أنهم لم يتعرضوا له. ويصل هارتسيون إلى حد الإقرار بأن رغبته الجامحة في قتل العرب دفعته لاستخدام سكين في قتل فلسطيني عندما أغار هو وجنوده على بلدة عزون غربي نابلس، في يونيو/حزيران عام 1954.
ودافع هارتسيون عن تعمده وزملاءه المس بالمدنيين الفلسطينيين العزل. وهو ويعتبر أن الحاجة لمراكمة الردع في مواجهة الفلسطينيين تفرض مثل هذا السلوك، إذ يقول إن "الثقافة التي تربينا عليها هي الانتقام بغرض الردع". وتتضمن "يوميات هارتسيون" العلماني مواقف يمينية متطرفة، قوامها العداء الشديد لليسار الصهيوني والاحتفاء بالمستوطنين. ويشيد هارتسيون بشكل خاص بجماعة "غوش إيمونيم"، المسؤولة عن تدشين المشاريع الاستيطانية في الضفة الغربية، فيقول إنه "لولا موقف المستوطنين لأسدلنا الستار على المشروع الصهيوني".
وحرض هارتسيون في يومياته، التي يتتلمذ عليها الضباط الإسرائيليون، على مشاريع التسوية للصراع، فإنه يجزم أن لا مجال لـ"التنازل عن أرض الأجداد". وفيما يدلل على أن الجيش الإسرائيلي يتعمد التركيز على "تراث" الضباط الموغلين في تطرفهم وساديتهم، ما كشف عنه الصحافي أوري مسغاف، الذي أكد أن "دائرة التثقيف في الجيش" رفضت اطلاع الضباط الجدُد على يوميات الجنرال يفتاح سبكتور، الذي اكتسب شهرة كبيرة خلال أدائه في حرب أكتوبر/تشرين الأول عام 1973، لأنه وقّع، بعد تسريحه من الجيش، على عريضة الطيارين العسكريين الذين يرفضون قصف المواقع المدنية في الأراضي الفلسطينية. وإذا عرفنا أن قائد "مدرسة الضباط" العقيد آفي جيل، قد أكد خلال مقابلة أجراها معه موقع "ولا" الإخباري خلال الشهر الماضي، أنه يجوز للجيش تدمير جدران البيوت الفلسطينية من أجل تسهيل الحركة لجنوده أثناء الحملات العسكرية، يصبح اختيار هارتسيون، كنموذج يدرس للضباط، أمراً غير مستغرب.