بأسلوبٍ حكواتي، سردت الكاتبة والمعمارية الفلسطينية سُعاد العامري، في اللقاء الذي نظمته أخيراً مجموعة "الروزنا الشبابية" تحت عنوان "شبّاك على فلسطين" في "الحيّ الثقافي - كتارا" بالدوحة، كيف تحوّلت من العِمارة إلى الكتابة، أو بالأحرى كيف جمعت بينهما بنجاحٍ لافت.
وُلِدت العامري لأبٍ فلسطيني من يافا وأم سورية من دمشق، ولأنها لم تكن قد رأت فلسطين بعد، فقد أثّرت صور دمشق فيها كمعمارية، وذهبتْ أول مرّة إلى فلسطين عام 1981 لتجمع مادة لأطروحة الدكتوراه حول العمارة في القرية الفلسطينية، مُعتقدةً أنّها ستبقى لمدة 60 يوماً فقط، إلّا أنّها صارت 40 عاماً، حيث أسّست "مركز رواق" الّذي ساهمَ في حماية آلاف المباني الأثرية في فلسطين.
أمّا عن كيف أصبحتْ كاتبة، فتروي العامري أنّها في الفترة 2002-2003 (فترة حصار ياسر عرفات والاجتياح الإسرائيلي) اضطرّت إلى العيشِ مع حماتها مدّة 44 يوماً من منع التجوال المفروض، الأمر الّذي تصفهُ بالاحتلال المُضاعف.
وفي ظلِّ هذا الجو، كانت تُراسل أصدقاءها في أوروبا، فتحكي لهم مرّةً عمّا يرتكبهُ شارون من جرائم، وأخرى عمّا تقوم بها حماتها، ليصلَ عدد اليوميات إلى نحو 30 رسالة/ قصّة، ولتُفاجأ العامري بأنّ الرسائل قد وصلت إلى النائبة السابقة لرئيس البرلمان الأوروبي لويزا مورغنتيني، الّتي هاتفتها بدورها وطلبت توزيع نُسخٍ منها على أعضاء البرلمان بوصفها نصاً يشرحُ حقيقة ما يعيشه الفلسطينيون.
وبعدها بأيام، هاتفتها دار النشر الإيطالية "فلترينلي"، لتعرض شراء حقوق الملكية، وهكذا صدرَ كتابها "شارون وحماتي" (2004) الّذي تُرجمَ إلى أكثر من عشرين لغة، والّذي أتبعته بـ"غولدا نامت هنا"، و"مراد مراد"، وأخيراً "دمشقي"، الّذي تروي فيه حكايات حقيقية يعيشها الفلسطينيون، بأسلوبٍ ساخرٍ في مناطق عديدة، لاعتبار الكاتبة أنّه "لا يوجد ما هو جدّيٌ أكثر من النكتة".
جمع اللقاء، إلى جانب العامري، تجربتين أخريين عملتا في فلسطين، هما الطبيب القطري عبد السلام القحطاني، ومُصمّمة الأزياء الفلسطينية نتالي طحّان.
روى القحطاني تجربته كأحد أعضاء الفريق الطبي القطري لزراعة القوقعة السمعية في قطاع غزّة، وهي تجربة لعربي يرى أنّ من واجبه الوقوف مع فلسطين، حيث عبّرَ عن أنّه بذلك يحاول ردَّ جزء من الفضل، حيث تتلمذَ جيله على أيدي أساتذة فلسطينيين، وقد زار غزّة ثماني مرّات. وقد أشار القحطاني إلى الصعوبات الّتي تخلّلت المشروع، بدءاً بندرة جرّاحي الأذن في القطاع، والحاجة إلى تدريب كادر بشري مُختص، وعدم سهولة توفير مكان مؤهّل لإجراء العمليات، وضرورة نقل الخبرة إلى أطباء فلسطينيين لاستدامة المشروع.
أمّا عن ثمار المشروع، فقد أُجريَت عمليات زرع القوقعة السمعية لـ182 حالة منذ عام 2017، وغالبية الحالات من الأطفال الذين لم يتمكّنوا من السمعِ أو الكلام قبل العملية، كذلك دُرِّب طبيب فلسطيني، وهو الآن يجري العمليات كاملةً، بالإضافة إلى تدريب 22 أخصائي سمعيات ونطق.
من جهتها، تحدّثت مُصمّمة الأزياء الفلسطينية نتالي طحّان القادمة من القدس، عن تجربتها كمصممة أزياء تعتمدُ ثيمة التطريز في أعمالها، مُنطلقةً من علاقة الإنسان الفلسطيني بالأرض والتراث، مع تقديم لمحة عن تاريخ التطريز في فلسطين. فتشيرُ طحّان إلى أنّ التطريز حاضرٌ في كلِّ القرى الفلسطينية، وقد كانت النساء يعبّرن عن أنفسهن من خلاله، ويورّثنَ هذا الفولكلور لبناتهن، بوصفهِ معبّراً عن الهوية والوضعِ الاجتماعي والموقع الجغرافي، حيث يتمايزُ ثوب العروس عن ثوب الأرملة، ولكلّ قرية/ مدينة ثوبها الخاص.
فمثلاً، تمتازُ مدينة القدس بنقشتي بلاط الحرم ورسالة حب، أمّا غزّة فتعتمدُ نقشتي السروة والخرز، والخليلُ تميلُ إلى استخدام نقشات تُعبّر عن الورود والمزروعات، ويافا تتميّزُ بنقشة جبال القدس والسروة كبيرة الحجم. ويقومُ مشروع طحّان الأساسي على عصرنة التطريز الفلسطيني من خلال الجمع بين التراث والموضة الحديثة، باعتماد تقنية التطريز الرقمي، كذلك فإنّ ذلك يُقلل من كُلفة الإنتاج - مقارنةً بالطريقة التقليدية في التطريز - ويُتيح جمهوراً أوسع.