"سينمات عمّان" صالات العرض في انتظار الإغلاق

08 مايو 2015
سينما "رغدان" (العربي الجديد)
+ الخط -

يجلس السّتيني محمد محفوظ أمام دار سينما فلسطين، التي يديرها، وسط العاصمة عمّان، وإلى جانبه دفتر التذاكر منتظراً رواد السينما الذين يأتون في أوقات متباعدة، دون أن يتجاوز عددهم الثلاثين شخصاً يومياً، حسب تقديراته، مشيراً إلى أن معظمهم لا يأتون لحضور العروض، فيقول "بعضهم يأتي بحثاً عن مكان ينام فيه".

"انتهى عصر السينما في وسط البلد"، يُضيف الرجل الذي أمضى نحو أربعين عاماً من العمل في العديد من سينماتها التاريخية، التي أغلقت غالبيتها، فيما توشك الباقية على الإغلاق، نتيجة تراكم الخسائر بسبب تراجع عدد مرتاديها.

يتذكر محفوظ العصر الذهبي لدور السينما في وسط البلد، يوم كانت إدارتها تضطر للاستعانة بقوات الأمن لتنظيم الدور بسبب ازدحام الراغبين بالدخول لمشاهدة العروض، يقول لـ"العربي الجديد": "عندما عرضت مسرحية (شاهد ما شفش حاجة) في سينما الحسين، التي كنت أعمل فيها في ثمانينيات القرن الماضي، طلبت من الشرطة المساعدة في تنظيم الدور بعد أن تجمهر الناس بأعداد كبيرة للحصول على التذاكر". ويضيف بأسف: "الأمر نفسه تكرر خلال العديد من العروض خلال نهاية السبعينيات وطول الثمانينيات من القرن الماضي، قبل أن تتراجع دور السينما ويصبح المرتادون يأتون مصادفة".

خلال مسيرته الطويلة، عمل محفوظ كموزع للأفلام ومديراً لسينما الحسين التي افتتحت بالتزامن مع سينما فلسطين نهاية خمسينات القرن الماضي، وأغلقت منذ أكثر من عشر سنوات نتيجة لتراكم الخسائر بعد أن عاشت عصراً ذهبياً اعتبرت فيه أفخم دار سينما يوم افتتاحها وحتى قبل سنوات من أغلاقها .

وبعد إغلاق سينما الحسين الملاصقة لسينما فلسطين، أستأجر محفوظ سينما فلسطين ليبقى في "الكار" الذي أحبه، لكنه وجد نفسه غارقاً في الديون وعاجزاً عن تسديد الأجرة السنوية البالغة 9 آلاف دينار، نحو (12700 دولار)، في وقت يبلغ ثمن التذكرة ديناراً ونصف الدينار (قرابة 2 دولار). يشير إلى أنه منذ قرابة ثلاث سنوات لم يدفع سوى 4 آلاف سنوياً نحو (5650 دولاراً)، وهو الأمر الذي دفع مالك السينما لرفع دعوى قضائية للمطالبة بإخلاء السينما والأجور المتراكمة. يؤكّد محفوظ أنه على استعداد لإخلاء السينما لو تنازل مالك السينما عن القضية، فهو لا يستطيع دفع الأجور المتراكمة، ويشير إلى أنه في حال أخلى السينما بالتوافق أو بقرار قضائي فإن مصيرها سيكون الإغلاق مثل غيرها من دور السينما.

وتعتبر سينما البتراء أقدم سينمات عمّان، حيث افتتحت منتصف عشرينيات القرن الماضي، وشهدت في العام 1943 حضور الموسيقار فريد الأطرش وشقيقته أسمهان لافتتاح ​العرض الأول من فيلمهما "انتصار الشباب" وسط حضور نخبوي ضم أمراء ووزراء، وهي السينما التي جرت أزالتها في سبعينيات القرن الماضي استجابة لإعادة تخطيط الموقع الذي كانت موجودة فيه.

ويقول محفوظ: "خلال عشرينيات القرن الماضي، لم يكن أمام الناس سوى دور السينما للترفيه عن أنفسهم، أمّا اليوم فتوجد عدّة أماكن للهو"، مؤكداً على أن النهوض بواقع دور السينما يحتاج إلى دعم رسمي يتمثل في إلغاء الضرائب والتراخيص وإعادة تأهيل المدينة، لكنه لا يتوقع ذلك الدعم أبداً، فيقول: "ينظرون إلى دور السينما على اعتبارها مشاريع استثمارية وليست جزءاً من تاريخ المدينة والحركة الثقافية والفنية".

دور السينما التي كانت حكراً على العائلات في الزمن الماضي، أصبحت شعبية تستقبل أي أحد يقف على بوابة التذاكر، وتلاقي رواجاً لدى العمّال الوافدين الذين يقضون الساعات الطويلة بداخلها عندما لا يحالفهم الحظ بالعمل، وخاصة أنها تطبّق نظام "العرض مستمر" طول ساعات عملها، وفي بعض الحالات توجّه عددٌ منها إلى عرض الأفلام الإباحية طمعاً في زيادة عدد مرتاديها من الشباب والمراهقين ليكون مصيرها الإغلاق من قبل الجهات الرسمية لمخالفتها القوانين التي تمنع عرض تلك الأفلام.

اقرأ أيضا:جائزتان في مهرجان بلغراد للفيلم الأردني "ذيب"

وبلغ عدد دور السينما في وسط البلد قرابة الخمسة عشر، قبل أن تتناقص تدريجياً لتبقى اليوم أربع صالات تعاني أوضاعاً صعبة تجعلها عرضةً للإغلاق. ومن دور السينما العريقة التي أغلقت في السنوات الأخيرة، سينما الفردوس وزهران والخيام وبسمان والأردن وأستوديو الأردن ورغدان، هذه الصالات كانت قد افتتحت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وتحوّلت المباني التي تضمها اليوم إلى أماكن مهجورة ومكاناً لتراكم الغبار على ما تبقى من إعلانات الأفلام المتآكلة.

ليس حال سينما فلسطين، أفضل من حال سينما الحمرا، التي افتتحت منتصف ستينيات القرن الماضي في شارع الملك طلال، واحدٌ من أقدم شوارع وسط البلد وأكثرها حيوية، وتعيش اليوم شيخوخة واضحة للعيان، حيث مبناها المتهالك ومدخلها الموحش، ومقاعدها الممزقة ومرافقها القذرة، وتوجد في بناية معروضة للبيع.

يقول مالكها أبو يوسف: "لا يوجد دخل للترميم. إيراد السينما لا يكفي لدفع الكلف التشغيلية من إيجار وكهرباء ورواتب للعاملين". يفكر أبو يوسف بإغلاق السينما وافتتاح مقهى مكانها. ويبرّر أسباب تراجع الإقبال على دور السينما في وسط البلد، بالتراجع العام للمنطقة سياحياً، حيث لم يعد يرتادها الكثير من الناس رغم كونها أقدم وأعرق مناطق العاصمة عمّان. وعن الشارع غير المزدحم يقول: "أنظر، وسط البلد خالٍ من الزوار، هذا الشارع لم تكن تجد فيه مكاناً للجلوس والتسكّع سابقاً".

إضافةً إلى ذلك يشير أبو يوسف إلى أثر التكنولوجيا الحديثة على تراجع جمهور السينما: "تجد اليوم مئات القنوات التي تبث الأفلام الحديثة، بالإضافة إلى توافر أجهزة الـ(دي في دي) والأفلام التي يكلّف إنتاجها ملايين الدولارات، تباع بأسعار قليلة بعد نسخها، فما حاجة الناس إلى السينما؟". يعتبر الأغنياء اليوم مشاهدة السينما ترفيه عائلي، فباتت أجهزة السينما المنزلية مجهّزة في بيوتهم، كل تلك العوامل مجتمعة أدّت إلى تراجع أداء دور سينما وسط البلد، ليقترب يوم إعلان المنطقة خاليةً من السينمات.

اقرأ أيضا:سينما المقاولات تعود إلى مصر
دلالات
المساهمون