يُحكى عن "متلازمة السيلفي" التي تُصنَّف اضطراباً مرتبطاً بالتكنولوجيات الحديثة. وماذا بخصوص لقطات "السيلفي" في الحراك الشعبي بالجزائر؟
كل لحظة من تلك الاحتجاجات التي تقوم في الجزائر تستحقّ التوثيق، لا بل توثيقها واجب. فيها بعض ممّا سوف يصير في يوم تاريخ البلاد، ولا بدّ من حفظها. إلى جانب اللقطات التي يصوّرها مراسلون إعلاميون في سياق مهامهم، تأتي "السيلفي" التي يصرّ عليها جزائريون كثر لجأوا إلى الشارع للتعبير عن مواقفهم. و"السيلفي" التي تُعَدّ ظاهرة مستجدّة، مع انتشار الهواتف الذكية، تلقى انتقاداً في أحيان كثيرة إذ صارت مرادفاً لهوس تصوير الذات بحسب خبراء اجتماعيين ونفسيين، تساهم اليوم في توثيق المشاركة الشعبية في الاحتجاجات.
بعيداً عن حفظ اللحظات التاريخية، يوثّق المتظاهرون من خلال "السيلفي" حضورهم في الحراك الشعبي المستمر منذ نحو شهرَين. إيمان بن عبد الرحمان من هؤلاء، وهي طالبة في كلية الطب، تخبر "العربي الجديد" أنّها عمدت إلى "توثيق خروج الطلاب في مسيرات مع بداية الحراك"، في حين تحرص على تصوير نفسها مع زميلاتها وزملائها في كلّ تلك اللقطات. بالنسبة إلى إيمان، فإنّ "توثيق الاحتجاجات والحراك له فائدة في تاريخنا كطلاب شاركنا في قول كلمتنا ضدّ ترشّح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية خامسة"، مؤكدة أنّ "تلك لحظات لا تُنسى. وتوثيقها ذاتياً من دون حاجة إلى مصوّر آخر، يمنحها مصداقية أكبر ويجعلنا نفتخر بمشاركتنا في التغيير".
من جهته، راح عبد الغني سيفي، وهو طالب في علوم الإعلام، يوثّق التظاهرات، قائلاً لـ"العربي الجديد" إنّه جمع "أكثر من 190 صورة سيلفي في خلال أيام الجمعة فقط وفي خلال احتجاجات الطلاب". وتلك اللقطات تصوّره وزملاءه ومواطنين آخرين، لتوثّق حضوره كـ"شاهد عيان على تلك اللحظات". لكنّه يشير إلى أنّه تفادى نشر بعض منها، حفاظاً على خصوصية آخرين ظهروا معه في تلك الصور.
توثيق للحظات المشحونة (العربي الجديد) |
والجيل الجديد يستفيد اليوم من التكنولوجيا، كذلك تفعل أجيال أخرى لم يقدَّر لها في تحركات واحتجاجات شاركت فيها ماضياً توثيق حضورها ومشاركتها في "صنع التاريخ". الأجهزة المتطوّرة اليوم، لا سيّما الهواتف الذكية، تتيح للجميع فرصة تأكيد وجودهم في الشارع من أجل قضايا الشعب المحقة ومن أجل البلاد. وإلى جانب صور "السيلفي" التي تكثر، يسجّل المحتجّون مقاطع فيديو عفويّة وصادقة. ويعمد بعض هؤلاء إلى بثّ تلك التسجيلات مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤدّي إلى حشد وتعبئة آخرين للالتحاق بالتظاهرات في الشارع. وفي السياق، يلفت الحقوقي خالد مكي لـ"العربي الجديد"، إلى أنّ "توثيق اللحظة ووجودك فيها يثبّت مشاركتك فعلياً في الحراك الشعبي، ونشرها السيلفي عبر مختلف وسائط التواصل الاجتماعي يحمل رسالة لكلّ من لم يلتحق بذلك الحراك".
وبينما يلتقط الزملاء والأصدقاء صور "سليفي" مع بعضهم بعضاً في خلال مشاركتهم في التظاهرات، يحرصون على أخرى مع شخصيات سياسية وفنية وثقافية معروفة تشارك بدورها في تلك التحرّكات. نجمة، شرطية سابقة خرجت من السلك لظروف خاصة، تفتخر قائلة لـ"العربي الجديد": "فزت بصورة سيلفي مع المناضلة جميلة بوحيرد". تضيف: "لقد كانت لحظة رائعة أن ألتقي بها، ولم يكن ممكناً أن أفوّت فرصة التقاط سيلفي مع امرأة عظيمة مثلها".
في السياق، تُعَدّ صور "السيلفي" وثائق مهمّة بالنسبة إلى الناشطين الحقوقيين والسياسيين تثبت مشاركتهم في الحراك الشعبي، فينشرونها على صفحاتهم الشخصية أو على تلك الرسمية الخاصة بالحزب أو المنظمة اللذَين ينتمون إليهما. ويؤكدون من خلالها موقفهم من القضايا العامة، فالصورة صارت جزءاً من الدعاية، خصوصاً في حال حصل تعتيم إعلامي أو ما شاكل. وهذا ما كان بالفعل، في خلال الفترة الأولى من الحراك الشعبي عندما حاولت السلطة الضغط على قنوات إعلامية عدّة لعدم نقل المشهد وتحويل الأنظار عن مطالب المتظاهرين. وفي مرحلة لاحقة من الحراك الشعبي، أتت صور "السليفي" أشبه بعملية "اغتسال سياسي" لشخصيات عدّة كانت في فلك السلطة. فعمد بعض تلك الشخصيات إلى النزول إلى الشارع والمشاركة في المسيرات والتقاط صور "سيلفي" ونشرها، بهدف تأكيد انتقاله سياسياً وتبديل موقفه لمصلحة الحراك والشعب.
تجدر الإشارة إلى أنّ ثمّة انتقادات سُجّلت في السياق، إذ إنّ مراقبين رأوا في لجوء بعضهم إلى التقاط صور "سيلفي" طريقة لحصولهم على ما أطلقوا عليه اسم "الشرعية الثورية" أو "بطاقة مجاهد". إلى جانب ذلك، وفي خطوة تُعَدّ "إيجابية"، ثمّة توجّه لدى مجموعة من الناشطين الشباب إلى جمع أكبر عدد من صور "السيلفي" في موقع إلكتروني أو على صفحة خاصة بموقع للتواصل الاجتماعي أو آخر، والهدف توثيق الحراك الشعبي ويومياتهم فيهذه الفترة المفصلية من تاريخ البلاد.