"سيبوهم يموتوا"... شهادات عن قتل السيسي لخصومه السياسيين في السجون

"سيبوهم يموتوا"... شهادات عن قتل السيسي لخصومه السياسيين في السجون

14 اغسطس 2020
حاول النظام تبييض صورته في السجون من دون جدوى (محمد الشاهد/فرانس برس)
+ الخط -

مع حلول الذكرى السابعة لمجزرتي فضّ اعتصام أنصار الرئيس الراحل محمد مرسي في ميداني رابعة العدوية ونهضة مصر، كشف عدد من الأطباء عن شهادات خطيرة بشأن التعامل مع عدد من الحالات الطبية لسجناء سياسيين، تمّ تحويلهم على مدار السنوات القليلة الماضية إلى مستشفيات قصر العيني والمنيل الجامعي، بسبب تردي حالتهم الطبية في السجون، واصفين تلك الوقائع بأنها ترقى إلى جرائم الحرب.
وفي هذا الصدد، قال طبيب، تحدث لـ"العربي الجديد" طالباً عدم الكشف عن هويته، إنه أُجبر خلال فترات سابقة، على إعداد تقارير طبية لمرضى من السجناء على ذمّة قضايا سياسية كان يؤتى بهم إلى مستشفى المنيل الجامعي في حالة صحية متردية، بعد ضغوط قانونية وإعلامية، بهدف رسمي، وهو توقيع الكشف اللازم عليهم وتقديم الخدمة الطبية لهم. لكن الفرق المعالجة لهؤلاء السجناء، بحسب المصدر، كانت تُجبَر على عدم تقديم تلك الخدمة، أمام تهديد من ضباط الأمن الوطني المشرفين على السجون. وروى الطبيب، الذي تمكّن من السفر أخيراً إلى الخارج للعمل في إحدى دول الخليج، كيف أنه في إحدى المرات، جاء مريض إلى المستشفى في حالة متدهورة، وكان يحتاج إلى عملية قسطرة بالقلب، إلا أن أحد الضباط أجبره تحت التهديد على كتابة عكس ذلك في التقرير الطبي الخاص بالسجين، قائلاً له "إحنا عايزينه يموت"، مضيفاً في سخرية "وأنت عايز تعمله عملية على نفقة الدولة".


ترقى ما روته شهادات خطيرة بشأن التعامل مع عدد من الحالات الطبية لسجناء سياسيين في مصر إلى جرائم الحرب

من جهته، لفت طبيب آخر، تمسك أيضاً بعدم الكشف عن هويته حتى لا يتعرض للملاحقة الأمنية والتنكيل من قبل جهاز الأمن الوطني، الذي قال إنه يفرض سيطرة كبيرة على كافة المنشآت الطبية الحكومية والجامعية، ويعلم بـ"دبّة النملة" فيها على حدّ تعبيره، إلى أن موقعه في أحد مستشفيات جامعة القاهرة، كان يجعله مشرفاً بدرجة ما على توقيع الكشف الطبي على عدد من قيادات جماعة الإخوان، الذين تمّ تحويلهم للمستشفى الذي كان يعمل به. وأضاف في حديثه لـ"العربي الجديد"، كيف أنه كان متابعاً جيداً للسجال الإعلامي بشأن وضع الحالة الطبية لمشاهير قيادات الإخوان الذين كانوا ينقلون لتوقيع الكشف عليهم". وعلى الرغم من معاناة الكثير منهم من أمراض خطيرة ومزمنة إلى جانب تقدمهم في السن، ما يستلزم رعاية خاصة، والبقاء بالمستشفى، إلا أنه كان يفاجأ بعد ذلك ببيانات صادرة عن وزارة الداخلية، على لسان مصادر أمنية، تؤكد عكس ذلك، وأنه تم تقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم في ضوء التقارير الخاصة بعد توقيع الكشف عليهم.

وأشار المصدر إلى أن عدداً ممن وافتهم المنية من قيادات إخوانية، كان من بينها مرشد جماعة الإخوان السابق محمد مهدي عاكف، تمّ التلاعب في التقارير الطبية الخاصة بهم، لإخلاء ساحة إدارات السجون التي كانوا محتجزين فيها من تهمة الإهمال الطبي أمام المنظمات الدولية. وأكد الطبيب، في هذا الصدد، أن "الهدف الأساسي من نقل الأجهزة الأمنية للسجناء السياسيين إلى المستشفيات المتواجدة خارج السجون، كان تجنب الضغوط الخارجية، عبر إعداد واستصدار تقارير مزيفة، بعد إجبار الأطباء وإدارات المستشفيات الحكومية على ذلك".

فيما قال طبيب آخر مستذكراً واقعة وفاة أحد السجناء، وكان ضمن قضية سياسية شهيرة، تردد اسمها في وسائل الإعلام كثيراً بحسب الطبيب، إن "هذا السجين مات للأسف بعد يوم واحد فقط من مجيئه للمستشفى"، مضيفاً "كُلفنا بتوقيع الكشف عليه فور وصوله للمستشفى مكبل اليدين بالكلبشات، على الرغم من أن حالته الصحية سيئة للغاية، ولا يوجد أي مخاوف من هروبه". وتابع "كان برفقته ضابط واثنان من المجندين، وأمين شرطة، وبعد الكشف عليه، أخبرنا الضابط المرافق له أنه يحتاج إلى إجراء جراحة عاجلة لاستئصال ورم"، مستطرداً بأن الضابط أبلغهم أنه سيرجع لمسؤولين يتبعهم قبل اتخاذ أي إجراء".

واستكمل الطبيب، بصوت حزين وكأن الواقعة لم تراوح الساعات الماضية لحديثه، بأن "الضابط جاءنا بعد نحو نصف ساعة، ليخبرنا برفض التقرير الذي أعدوه والذي يتضمن ضرورة التدخل الجراحي العاجل". وقال الضابط، بحسب المصدر، حرفياً إن "الناس فوق رافضين، وبيقولكم حطوه في أي غرفة لحد ما يموت"، مشيراً إلى أن أحد الأطباء أبدى اعتراضاً أمام الضابط بدعوى أن ذلك يخالف أبسط قواعد وأساسيات الإنسانية، على الرغم من أن ذلك الطبيب كان يتبنى موقفاً سياسياً مخالفاً لجماعة الإخوان، وكان ممن أيدوا تظاهرات الثلاثين من يونيو. وأوضح الطبيب، أن زميله المعترِض واجه تحذيراً شديد اللهجة من الضابط المرافق للسجين المريض، والذي هدّده بقوله له "ملكش دعوة... إنت تنفذ اللي إحنا بنقول عليه عشان متأذيش نفسك".


يتم التلاعب في التقارير الطبية الخاصة بالسجناء، لإخلاء ساحة إدارات السجون من تهمة الإهمال الطبي أمام المنظمات الدولية

يذكر أنه في 18 يونيو/حزيران 2019، توفي الرئيس محمد مرسي داخل قفص المحكمة خلال جلسة محاكمته في قضية التخابر مع حركة "حماس" الفلسطينية، بعد إصابته بنوبة قلبية، من دون أن تُقدّم له أي رعاية طبية لمدة 20 دقيقة، حتى لفظ أنفاسه الأخيرة. وجاءت وفاة مرسي في ظلّ مناشدات متعددة طوال سنوات حبسه، من جانب أسرته وتقارير منظمات حقوقية دولية، لتقديم الرعاية الطبية اللازمة له، بسبب معاناته من عدد من الأمراض الخطيرة التي كانت تهدد حياته وقتها، ومنها ارتفاع السكر في الدم.

وفي 22 سبتمبر/أيلول 2017، توفي محمد مهدي عاكف، المرشد العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين، في مستشفى قصر العيني بالقاهرة، حيث كان يقضي فترة حبس على ذمة قضايا سياسية، رغم مماطلة وزارة الداخلية في تلبية مطلب أسرته لنقله إلى مستشفى خاص، بعد تردي حالته الصحية، حيث كان مصاباً بسرطان في القنوات المرارية وتضخم في البروستات وكسر في المفصل الأيسر، وضعف في عضلة القلب.