انتشرت هواية "اقتناء حيوان أليف" بشكل واسع في قطر مؤخراً، تحديداً بين عائلات المقيمين من العرب والأجانب.
السبب الأول اجتماعي، وهو أنّ الحياة الأسرية لأبناء الأجانب المقيمين، المراهقين والشباب، مغلقة على القليل من الخيارات، فعلاقاتهم تنحصر بين الأبوين والقليل من الأصدقاء، بسبب إقامتهم بعيدا من أقاربهم ومحيطهم الأسري الأوسع. كما تحول عوامل المناخ والجغرافيا دون الاختلاط في محيط السكن بأطفال آخرين، ودون ارتياد الأماكن العامة المفتوحة، إلا في أسابيع قليلة من العام. ويبقى العامل الاقتصادي، إذ يسمح ارتفاع مدخول الفرد في قطر بأن تتحمّل العائلات كلفة الكثير من الهوايات وبينها تربية حيوان في المنزل.
أدّى انتشار هذه الهواية إلى ازدياد الطلب على الحيوانات الأليفة، وإلى تخصيص أسواق لها، لعلّ أشهرها "سوق الطيور" في "سوق واقف"، المعلم السياحي البارز في الدوحة.
حمائم وصقور
بدأ الأمر إثر تدشين "سوق واقف" عام 2006 بمتجر أو اثنين لبيع حمام الزينة وفراخ الدجاج وطيور الحبّ... ثم تحوّل لاحقاً إلى سوق للطيور بأنواعها المختلفة. وألحقت بها أنواع عديدة من الحيوانات الأليفة، وأحيانا الجارحة مثل الصقور. اليوم، لا يزال السوق يعرف بـ"سوق الطيور"، رغم انضمام القطط والكلاب والقوارض والسلاحف البرية والبحرية والأرانب وفراخ البطّ... وحتى السحالي، إلى لوائح البيع هناك.
في السوق وقفت دانة (10 سنوات) محتارة أمام أقفاص طيور الكناري، ثم أشارت نحو أربعة منها، بينما لم تخفِ والدتها شكواها من أنّ ابنتها تشتري كلّ فترة عدداً من هذه الطيور ثم تطلق سراحها. ورغم أنّ دانة تتحفّظ على السبب، إلا أنّ خيوط "المؤامرة" الطيبة والخيّرة بين دانة والطيور تبدو واضحة: دانة تشتري الطيور لتتسلى معها قليلاً ثم تعطيها حريتها.
يُجمع باعة الطيور في السوق، غالبيتهم من جنسيات آسيوية، أنّ طيور الحبّ والكناري هي الأكثر شعبية، ويسعدهم حلول عيد الحب في الرابع عشر من فبراير / شباط، إذ يبيعون كميات مضاعفة من "طيور الحبّ" تحديداً في هذا اليوم. أما الببغاوات فهي طُعم جاذب للمتسوّقين وزوّار السوق، ورغم أنّ أسعارها مرتفعة نسبياً إلا أنّ كثيرين تجذبهم ألوانها وأصواتها، فيتوقّفون عندها لإشباع عيونهم وفضولهم.
يقول عزيز من الجنسية الهندية إنّ معظم حيوانات السوق تأتي من أوروبا وتحديداً هولندا، وإنّ ارتفاع أسعار الشحن والاستيراد أدّيا في الفترة الأخيرة إلى ارتفاع أسعار هذه الحيوانات. ورغم اعتراضات بعض الزبائن إلا انّ حركة البيع والشراء لم تتأثّر كثيراً، وهي اليوم في ذروتها، بسبب اعتدال المناخ في الدوحة.
أرانب وسلاحف خارج السباق
تتمنى عائشة (8 سنوات) أن تشتري أرنباً جديداً. لكن بعدما نفقت الأرانب التي اشترتها خلال العامين الماضيين، صار اقتناء أرنب يشعرها الحزن. ينصحها والدها: "اشتر سلحفاة... إنّها تعيش سنوات طويلة".
"ولكن الأرنب أسرع"، تقول عائشة.
يضحك الأب ويذكّر ابنته بأنّ السلحفاة تغلّبت على الأرنب في القصة المعروفة. التعليق لا يبدو مقنعاً للفتاة فتبحث عن خيار وسطيّ، وتستقرّ على قرارها شراء سلحفاة بحرية لأنّها، وفق ما تقنع نفسها "تعوم بسرعة في الماء".
أسماك الزينة تنفق بسرعة أيضاً، ولكن لا بأس من شراء المزيد منها كل فترة، وفق قول إحدى الأمّهات، لأنها رخيصة وطعامها زهيد الثمن ولا تتطلب العناية بها عناءً كبيراً. وتضيف سيدة أخرى أنّ أولادها يشعرون بالإلفة في السوق ويشعرون أنّهم في غابة صغيرة او مزرعة مصغرّة.
معلم سياحي
يكتفي محمد (12 سنة) بالتقاط صور لحيوانات السوق بجهازه اللوحي الخاص. أما أخته ريم (6 سنوات) فتطلب من والدتها بإلحاح: "أريد قطة بيضاء"، فتردّ الأمّ واعدة: "ليس الآن، في عيد مولدك سأشتريها لك". توضح أمّ أمحمد وريم أنها تصحب ولديها إلى السوق بشكل شهري، من دون أن يكون الهدف شراء الحيوانات بالضرورة: "السوق مسلٍّ للأطفال، يتصوّرون مع الحيوانات والأقفاص ويصوّرونها ويلاعبونها من خلف القضبان ويسمح لهم الباعة بلمسها أحياناً".
تلك ظاهرة واضحة. كثيرون يزورون السوق كمعلم سياحي وترفيهي بحدّ ذاته.
وصل سند وزين حديثاً من الأردن للإقامة في الدوحة مع أبويهما، وقد وجد والدهما في "سوق الطيور" مكاناً مثالياً لنزهة مبهجة وغير مكلفة. تبدو الفرحة واضحة في عيون الولدين، حتى أختهما الرضيعة "بيلار" تتفاعل بسعادة مع تلك الحيوانات الصغيرة.
يحفل السوق ايضاً بأقفاص ذهبية وأخرى نحاسية وأعشاش من ألياف الشجر وحبوب شهيّة... مغريات تزيّن هذه الهواية وتستقطب المشتري والسائح، وتحقّق للعائلات في قطر متنفّساً ترفيهياً جذاباً.
تسعد هذه الهواية الكثير من العائلات وتزرع الابتسامات في عيون الأطفال، ولكن على حساب هذه الكائنات الصغيرة، التي تنظر من خلف القضبان إلى العالم بذعر وترقّب، ولا تفرّق بين سجن صغير في السوق أو سجن أكبر في منزل.