"سوا" بلا استثناء
شعار أرادته الرئاسة السورية في الظاهر موجهاً لأنصار الداخل الذين تريد الإيحاء أن بقاء الأسد في مواجهة الثورة، ونجاحه المرتقب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، هو بفضلهم. جزء بسيط من هذه الرسالة المباشرة قد يكون صحيحاً، غير أن ما هو مستبطن، أو ما يمكن قراءته خلف حروف الكلمة، يستهدف أبعد بكثير من "جمهور الأسد المقترع". "سوا" أشمل وأعم، تبدأ من الأنصار والموالين والداعمين، ولا تنتهي عند المعارضين ومسانديهم بمختلف منابتهم.
الشكر بالكلمة موصول لكل من وقف مع النظام، ولكل من ساهم عن قصد، أو غير قصد، في بقائه، ليرسم درب جلجلة طويلاً للنكبة السورية. والشكر ممتد من المحيط الأقرب إلى الحليف والعدو الأبعد، الذي أدى كل ما عليه ليجعل من هذا النظام راسخاً وخارج إطار المحاسبة، على الرغم مما اقترفته يداه من مجازر وإبادات.
البداية الأمثل لا يمكن إلا أن تكون من حزب الله اللبناني، الذي ربما كان أكثر من يستحق خطاب "سوا" من النظام السوري. من المؤكد أنه الأوْلى بالعبارة، وهو الذي لم يوفر وسيلة، سياسية أو دينية، لتجييش محازبيه وأتباعه لنصرة الأسد بالدم. وهو كان، ولا يزال، مقاتلاً شرساً مدافعاً عن "عرين الأسد"، من دمشق مروراً بحمص وصولاً إلى القصير. كيف لا يكون الشكر موجهاً إلى الحزب، وهو الذي جازف بـ"السلم الأهلي اللبناني"، الوهمي أصلاً، للدخول في المعركة مباشرة مع الأسد، غير آبه بكل ما يمكن أن تثيره المسألة من توترات طائفية، تتجاوز في أبعادها الداخل اللبناني أو المحيط المشرقي.
"سوا" لمجمل "المثقفين" الممانعين والمطبلين من اليسار واليمين، على حد سواء، الموزعين على شاشات التلفزة وفي الصحف، لترويج بقاء الأسد تحت عناوين بالية، على غرار "الصراع مع إسرائيل" و"البوصلة الفلسطينية"، التي لا تزال تدغدغ مشاعر مواطنين عرب كثيرين، مقتنعين بأن النظام السوري "رمز للمقاومة والممانعة"، مغفلين كل الدلائل التي تشير إلى العكس.
"سوا" أيضاً لإيران وروسيا والصين. ومن غيرها وقفت سداً منيعاً في مواجهة أي إدانة قد يتعرض لها الأسد، أو أي انهيار محتمل له عسكرياً أو سياسياً. لا إنكار من النظام لدور هذه الدول، التي من دونها ما كان ليضرب عرض الحائط بكل العقوبات الدولية والضغوط المتنوعة، ويدفع برأسه، مجدداً، إلى الرئاسة، وكأن شيئاً لم يكن.
"سوا" كذلك للمعارضين السوريين. هم أيضاً ساهموا في إطالة عمر النظام، الذي لم يكن ليحلم بمثل هذه المعارضة تقف في وجهه. وما كان أحد ليتخيل أن مأساة إنسانية بهذا الحجم ممكن أن تصبح أداة تنفّع من مجموعة من هواة السياسية، تناسوا القضية والتهوا بخلافات وانقسامات وارتهانات لهذا الخارج أو ذاك. تشكيلة غيّبت صوت المواطن السوري، المالك الحقيقي للثورة، عن الساحة، ليبقى أنينه تحت نير الحصار أو نار البراميل.
"سوا" لداعش والنصرة، اللذيْن قدما مادة إعلامية دسمة للنظام عن الخيارات البديلة التي ممكن أن تكون مطروحة في حال سقوطه. مادة عرف نظام الأسد كيف يستغلها، ووجد لها آذاناً صاغية في الشرق والغرب، استساغت إبقاء الوضع على ما هو عليه، على اعتبار أن الاثنين في "الجرم سواء".
"سوا" للدول العربية التي طرّزت البيانات الكثيرة، والأفعال القليلة، في دعم الثورة السورية. سحبت سفراء في العلن، وأقامت علاقات في السر، ورمت السوريين مجدداً في أحضان النظام، سواء عبر الترحيل أو رفض الاستقبال، أو تجميعهم في كانتونات غير آدمية جعلت لسان حالهم يقول إن "جحيم النظام أرحم من جنة الثورة".
"سوا" لدول الغرب والإقليم المتخاذلة، التي لا تتوقف عن الشجب والإدانة، بعدما باعت الثوار السوريين أوهام الدعم والنصر، لكنها، إلى الآن، لا تزال تدرس كيفية المساندة وآلية التسليح، ومن يصلح لنيل العطايا وضد من سيستخدمها. دول ترى في الوضع القائم غاية الغايات، بوجود الأسد أو بدونه، وهي، لهذا، أعطته شرعية المماطلة والتسويف والجلوس على طاولات جنيف المتعاقبة ممثلاً لجزء من الشعب السوري.
"سوا" الرئاسة السورية شاملة وعامة، وتستهدف كل من يتحمل المسؤولية، وإنْ بنسبٍ متفاوتة، عن بقاء النظام، وبالتالي، هي لا تستثني أحداً.