حرب سورية حرمت الكثير من الأطفال فرصة التعلّم في مدارسهم. فكثير من المدارس بات ركاماً. قُتل من قتل من الأطفال وأهلهم وهُجّر من هجّر.
وفي لبنان، يعاني أطفال اللاجئين السوريين على هذا الصعيد. وهو ما دفع بسيدة سورية مقيمة في لبنان، إلى إنشاء مدرسة صغيرة في أحد مخيمات برالياس في البقاع الأوسط شرقي لبنان، بتمويل متواضع. وتهدف من وراء ذلك إلى إعادة تأهيل ذاكرة الطفل السوري، ودمجه في المجتمع، ومنحه فسحة من السعادة.
أما آمنة التي تتولى تعليم الأطفال في المدرسة التي أطلق عليها اسم "سنبلة"، فقد عملت كمعلمة في بلدة القصير في حمص، في الملاجئ تحت تهديدات الصواريخ ورصاص القنص. صمدت هناك طويلاً، لكنّها غادرت البلدة قبل أربعة أيام من انتهاء المعارك فيها عام 2013. تقول عن تلك المرحلة: "كنت خلال الأوقات الحرجة، أترك التعليم لأنضم إلى المسعفين في المعارك. كان لدي أمل بتحسن الأمور إلاّ أنّ خوفي على أبنائي دفعني إلى مغادرة سورية والمجيء إلى لبنان".
لا يتجاوز عدد أطفال المدرسة 80. ويتوزعون على فصلين. وتقول آمنة إنّ كلّ فصل يضم 40 تلميذاً. فيما يمتد دوام الفصل الأول من الثامنة حتى العاشرة صباحاً. والفصل الثاني من العاشرة حتى الواحدة ظهراً.
وتضيف لـ "العربي الجديد": "نقدّم برنامجا أكاديمياً لإعادة تأهيل ذاكرة الطفل وتعليمه الأبجدية والقراءة ومبادئ وأساليب الرياضيات وغيرها. أما صفوف الهوايات فمتنوعة، وكل تلميذ يمارس ما يحب من الرياضة أو الرسم أو الموسيقى".
وتشدد آمنة على أهمية حصة الرسم في مدرستها. فمن خلالها تعرفت بقصص الأطفال الذين عبّروا عن مكنوناتهم، ومعاناتهم في بلاد الحرب.
من هؤلاء الأطفال عالية. عمرها خمس سنوات، وقتل والدها أمام عينيها بشظية صاروخ، أصاب منزلهم في ريف دمشق. خمس ساعات بقيت عالية تنظر إلى جثة والدها. تتمعن في تفاصيله، وتتساءل عن سبب صمته وانقطاع أنفاسه. نامت بجانب الجثة، تحت ركام المنزل، فيما كانت والدتها تبحث عنها. بقيت الصغيرة هناك حتى انقطعت أنفاسها بدورها، وخرجت من تحت الركام، تبحث عن بعض الهواء.
في انتظار الأبوين
تصفها آمنة بـ "الطفلة الذكية". وتقول: "طوال الوقت تتحدث عن والدها، فتقول إنّه سيرافقها إلى المدرسة غدا، وسيجلب لها الحلوى من سورية. وبعد انتهاء الدوام تجلس على كرسي خشبي صغير، تنتظر والدتها لتأخذها إلى بيتها في المخيم. تودع أصدقاءها. وتؤكد لهم أنّها ستأتي مع والدها غدا، ليشاركها حصصها ويتعلّم معها الدروس وتهجئة الحروف".
عيسى (9 سنوات) يعبر عن فرحه الشديد لوجوده بين أصدقائه. يتعلق بشكل كبير بمعلمته آمنة. فهي تعوّض فقدانه والدته في الحرب قبل عام ونصف. يشتاق إلى رفاقه في سورية. لكنّه هنا، لم يعد يسمع أصوات الصواريخ خلال حصصه المدرسية. يقول: "دمرت مدرستنا، وقتلت معلمتنا الآنسة آمال، واحترقت بساتيننا، فجئنا إلى لبنان للبحث عن الأمان". ينهي حديثة مسرعا نحو رفيقه وهو يقول: "أرجوكم دعونا نتعلّم فقط".
لا تتوقف القصص المؤلمة في مدرسة الخيمة. فأبطالها الصغار كلّهم شهدوا صنوف المعاناة. قصي (6 سنوات) ضحية من ضحايا الحرب أيضاً. تركته والدته، ولم يسأل عنه والده. واليوم تربيه إحدى العائلات النازحة. يكره الطفل والدته، ولا ينادي أحداً "ماما"، فهي تخلصت منه منذ 3 سنوات، بالرغم من وجودها في المخيم نفسه. يقول باستمرار لمعلمته: "لا أحد يحبني ولا أحد يريدني أن أكون ابنه".
أما والدته فتبرر ما قامت به، بأنّ الوالد غدر بها وتزوج امرأة أخرى وتركها مهملة في لبنان. تم الطلاق بينهما وتبنت عائلة نازحة الطفل، بعد أن ترك في الشوارع بلا مأوى. أما الوالد فيعتبر قصي ابنا لقيطاً لا يرغب في التعرف به، بحسب كلام أحد الأقرباء.
يحاول قصي لفت الأنظار باستمرار في خيمة المدرسة. فحرمانه من حنان الوالدين يبرر سلوكه، الذي يدفع معلمته لوصفه بـ "الفتى المشاغب". يخفي خلف لهوه حزناً عميقاً. ويصرخ في وجه من يتأثر بقصته. ويطلب منه عدم الشفقة عليه، فهو ليس "بحاجة إلى أحد".
بشار (10 سنوات) يعاني من مرض الأكزيما الجلدي. وتظهر علامات المرض على يديه ورجليه. يشعر بالحرج لدى سؤاله عن الأمر. لكنّه يؤكد مباشرة، أنّ المرض لا ينتقل بالعدوى، وأنّ بالإمكان مخاطبته دون خوف أو حذر. يقول إنّ المرض أصابه خلال الأحداث في سورية، وإنّه يتلقى العلاج باستمرار. ويأمل أن يشفى سريعاً ليتمكن من عيش حياته بشكل طبيعي، كأصدقائه.
وفي لبنان، يعاني أطفال اللاجئين السوريين على هذا الصعيد. وهو ما دفع بسيدة سورية مقيمة في لبنان، إلى إنشاء مدرسة صغيرة في أحد مخيمات برالياس في البقاع الأوسط شرقي لبنان، بتمويل متواضع. وتهدف من وراء ذلك إلى إعادة تأهيل ذاكرة الطفل السوري، ودمجه في المجتمع، ومنحه فسحة من السعادة.
أما آمنة التي تتولى تعليم الأطفال في المدرسة التي أطلق عليها اسم "سنبلة"، فقد عملت كمعلمة في بلدة القصير في حمص، في الملاجئ تحت تهديدات الصواريخ ورصاص القنص. صمدت هناك طويلاً، لكنّها غادرت البلدة قبل أربعة أيام من انتهاء المعارك فيها عام 2013. تقول عن تلك المرحلة: "كنت خلال الأوقات الحرجة، أترك التعليم لأنضم إلى المسعفين في المعارك. كان لدي أمل بتحسن الأمور إلاّ أنّ خوفي على أبنائي دفعني إلى مغادرة سورية والمجيء إلى لبنان".
لا يتجاوز عدد أطفال المدرسة 80. ويتوزعون على فصلين. وتقول آمنة إنّ كلّ فصل يضم 40 تلميذاً. فيما يمتد دوام الفصل الأول من الثامنة حتى العاشرة صباحاً. والفصل الثاني من العاشرة حتى الواحدة ظهراً.
وتضيف لـ "العربي الجديد": "نقدّم برنامجا أكاديمياً لإعادة تأهيل ذاكرة الطفل وتعليمه الأبجدية والقراءة ومبادئ وأساليب الرياضيات وغيرها. أما صفوف الهوايات فمتنوعة، وكل تلميذ يمارس ما يحب من الرياضة أو الرسم أو الموسيقى".
وتشدد آمنة على أهمية حصة الرسم في مدرستها. فمن خلالها تعرفت بقصص الأطفال الذين عبّروا عن مكنوناتهم، ومعاناتهم في بلاد الحرب.
من هؤلاء الأطفال عالية. عمرها خمس سنوات، وقتل والدها أمام عينيها بشظية صاروخ، أصاب منزلهم في ريف دمشق. خمس ساعات بقيت عالية تنظر إلى جثة والدها. تتمعن في تفاصيله، وتتساءل عن سبب صمته وانقطاع أنفاسه. نامت بجانب الجثة، تحت ركام المنزل، فيما كانت والدتها تبحث عنها. بقيت الصغيرة هناك حتى انقطعت أنفاسها بدورها، وخرجت من تحت الركام، تبحث عن بعض الهواء.
في انتظار الأبوين
تصفها آمنة بـ "الطفلة الذكية". وتقول: "طوال الوقت تتحدث عن والدها، فتقول إنّه سيرافقها إلى المدرسة غدا، وسيجلب لها الحلوى من سورية. وبعد انتهاء الدوام تجلس على كرسي خشبي صغير، تنتظر والدتها لتأخذها إلى بيتها في المخيم. تودع أصدقاءها. وتؤكد لهم أنّها ستأتي مع والدها غدا، ليشاركها حصصها ويتعلّم معها الدروس وتهجئة الحروف".
عيسى (9 سنوات) يعبر عن فرحه الشديد لوجوده بين أصدقائه. يتعلق بشكل كبير بمعلمته آمنة. فهي تعوّض فقدانه والدته في الحرب قبل عام ونصف. يشتاق إلى رفاقه في سورية. لكنّه هنا، لم يعد يسمع أصوات الصواريخ خلال حصصه المدرسية. يقول: "دمرت مدرستنا، وقتلت معلمتنا الآنسة آمال، واحترقت بساتيننا، فجئنا إلى لبنان للبحث عن الأمان". ينهي حديثة مسرعا نحو رفيقه وهو يقول: "أرجوكم دعونا نتعلّم فقط".
لا تتوقف القصص المؤلمة في مدرسة الخيمة. فأبطالها الصغار كلّهم شهدوا صنوف المعاناة. قصي (6 سنوات) ضحية من ضحايا الحرب أيضاً. تركته والدته، ولم يسأل عنه والده. واليوم تربيه إحدى العائلات النازحة. يكره الطفل والدته، ولا ينادي أحداً "ماما"، فهي تخلصت منه منذ 3 سنوات، بالرغم من وجودها في المخيم نفسه. يقول باستمرار لمعلمته: "لا أحد يحبني ولا أحد يريدني أن أكون ابنه".
أما والدته فتبرر ما قامت به، بأنّ الوالد غدر بها وتزوج امرأة أخرى وتركها مهملة في لبنان. تم الطلاق بينهما وتبنت عائلة نازحة الطفل، بعد أن ترك في الشوارع بلا مأوى. أما الوالد فيعتبر قصي ابنا لقيطاً لا يرغب في التعرف به، بحسب كلام أحد الأقرباء.
يحاول قصي لفت الأنظار باستمرار في خيمة المدرسة. فحرمانه من حنان الوالدين يبرر سلوكه، الذي يدفع معلمته لوصفه بـ "الفتى المشاغب". يخفي خلف لهوه حزناً عميقاً. ويصرخ في وجه من يتأثر بقصته. ويطلب منه عدم الشفقة عليه، فهو ليس "بحاجة إلى أحد".
بشار (10 سنوات) يعاني من مرض الأكزيما الجلدي. وتظهر علامات المرض على يديه ورجليه. يشعر بالحرج لدى سؤاله عن الأمر. لكنّه يؤكد مباشرة، أنّ المرض لا ينتقل بالعدوى، وأنّ بالإمكان مخاطبته دون خوف أو حذر. يقول إنّ المرض أصابه خلال الأحداث في سورية، وإنّه يتلقى العلاج باستمرار. ويأمل أن يشفى سريعاً ليتمكن من عيش حياته بشكل طبيعي، كأصدقائه.