لم يدفع تراكم الفضائح الغذائية المُكتشفة في لبنان باتجاه تغيير سياسة الرقابة الرسمية على المواد الغذائية والاستهلاكية، بل على العكس فقد أدت هذه الفضائح إلى كشف النزاعات بين 8 إدارات رسمية ومحلية حول صلاحيات الرقابة.
كما كشفت الفضائح أيضاً عن تسيّب الرقابة الصحية والغذائية في محافظة عكار، شمال البلاد، تحديداً. فقد سجلت المحافظة وفاة طفل، قبل أسابيع قليلة، وتسمم عدد من أفراد أسرته بعد تناول وجبة كفتة في أحد مطاعم بلدة العبدة العكارية، إلى جانب العديد من حالات التسمم الجماعي خلال العامين الماضيين، نتيجة تناول لحوم ودجاج وحلويات في المنطقة. وتقول مصادر طبية من عكار لـ"العربي الجديد" إنّ "الفساد المستشري بين أجهزة الرقابة الرسمية في عكار يؤدي إلى تكرار هذه الحالات".
يشرح رئيس "جمعية حماية المستهلك في لبنان"، زهير برو، لـ"العربي الجديد"، آلية الرقابة على الغذاء في لبنان: "الآلية قائمة على تقاسم الصلاحيات بين الوزارات المعنية كالصحة والزراعة والصناعة والاقتصاد مع البلديات والمحافظين (رؤساء المحافظات الثماني)، وقد يؤدي أي خلاف شخصي بين وزيرين مثلاً إلى تعطيل آلية الرقابة".
هذا الأمر لمسه اللبنانيون فعلياً في تبادل الاتهامات بين وزارتي الصحة والاقتصاد في شأن تحمل مسؤولية دخول كميات من القمح المسرطن إلى الأسواق اللبنانية، وسوء تخزين القمح في أهراءات وزارة الاقتصاد داخل مرفأ بيروت. وسرعان ما انضمت وزارة الزراعة المسؤولة عن فحص عينات القمح قبل تفريغه في المرفأ إلى السجال، لكن في صف وزارة الصحة، بسبب انتماء الوزيرين وائل أبو فاعور (الصحة) وأكرم شهيب إلى نفس الحزب (التقدمي الاشتراكي بزعامة النائب وليد جنبلاط). كما شهدت العلاقة بين محافظ بيروت، القاضي زياد شبيب، وأبو فاعور، توتراً بعد اتهام المحافظ للوزير بالتعدي على الصلاحيات الرقابية للمحافظة عبر عمل مراقبي "حملة سلامة الغذاء" في بيروت.
يشير رئيس مصلحة حماية المستهلك إلى أنّ الواقع الحالي "دفعنا إلى التعاون مع عدد من جمعيات المجتمع المدني، لتشكيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء".
اقــرأ أيضاً
كما كشفت الفضائح أيضاً عن تسيّب الرقابة الصحية والغذائية في محافظة عكار، شمال البلاد، تحديداً. فقد سجلت المحافظة وفاة طفل، قبل أسابيع قليلة، وتسمم عدد من أفراد أسرته بعد تناول وجبة كفتة في أحد مطاعم بلدة العبدة العكارية، إلى جانب العديد من حالات التسمم الجماعي خلال العامين الماضيين، نتيجة تناول لحوم ودجاج وحلويات في المنطقة. وتقول مصادر طبية من عكار لـ"العربي الجديد" إنّ "الفساد المستشري بين أجهزة الرقابة الرسمية في عكار يؤدي إلى تكرار هذه الحالات".
يشرح رئيس "جمعية حماية المستهلك في لبنان"، زهير برو، لـ"العربي الجديد"، آلية الرقابة على الغذاء في لبنان: "الآلية قائمة على تقاسم الصلاحيات بين الوزارات المعنية كالصحة والزراعة والصناعة والاقتصاد مع البلديات والمحافظين (رؤساء المحافظات الثماني)، وقد يؤدي أي خلاف شخصي بين وزيرين مثلاً إلى تعطيل آلية الرقابة".
هذا الأمر لمسه اللبنانيون فعلياً في تبادل الاتهامات بين وزارتي الصحة والاقتصاد في شأن تحمل مسؤولية دخول كميات من القمح المسرطن إلى الأسواق اللبنانية، وسوء تخزين القمح في أهراءات وزارة الاقتصاد داخل مرفأ بيروت. وسرعان ما انضمت وزارة الزراعة المسؤولة عن فحص عينات القمح قبل تفريغه في المرفأ إلى السجال، لكن في صف وزارة الصحة، بسبب انتماء الوزيرين وائل أبو فاعور (الصحة) وأكرم شهيب إلى نفس الحزب (التقدمي الاشتراكي بزعامة النائب وليد جنبلاط). كما شهدت العلاقة بين محافظ بيروت، القاضي زياد شبيب، وأبو فاعور، توتراً بعد اتهام المحافظ للوزير بالتعدي على الصلاحيات الرقابية للمحافظة عبر عمل مراقبي "حملة سلامة الغذاء" في بيروت.
يشير رئيس مصلحة حماية المستهلك إلى أنّ الواقع الحالي "دفعنا إلى التعاون مع عدد من جمعيات المجتمع المدني، لتشكيل الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء".
حديث برو مع "العربي الجديد" جاء على هامش المؤتمر الصحافي، الذي عقده ائتلاف مدني من 248 جمعية، للإعلان عن تبني إنشاء "الهيئة الوطنية لسلامة الغذاء". في المؤتمر أعلن رئيس "جمعية فرح العطاء"، ملحم خلف، عن تبني "مسارات عمل قضائية وسياسية للدفع باتجاه إقرار تشكيل الهيئة المؤلفة من 5 أعضاء. وقد بدأ العمل القضائي من خلال الدعوى، التي رفعها المجتمع المدني ضد مطاحن لبنان الحديث، وهي الدعوى التي أدت إلى إقفال هذه المطاحن بسبب مخالفاتها لشروط الصحة العامة، وثبوت طحن حشرات ووبر جرذان مع القمح فيها". وعلى الصعيد السياسي، أشار خلف إلى "إجماع 18 وزيراً ورئيس الحكومة، تمام سلام، على أهمية إقرار المراسيم التشريعية لإنشاء الهيئة، لكنّ العبرة كانت في عدم إقرار المراسيم خلال الجلسة الحكومية الأخيرة، التي عقدتها الحكومة هذا الأسبوع". وهو ما دفع الائتلاف إلى الإعلان عن وقفة لمدة ساعة خلال الجلسة الحكومية المرتقبة الأسبوع المقبل: "وهي خطوة الضغط الأولى في الشارع لإنشاء الهيئة، لكن لن تكون الأخيرة" بحسب خلف.
يأتي هذا التحرك بعد نحو عام على إقرار قانون سلامة الغذاء، الذي وضعه مجلس النواب، وينص على تشكيل "اللجنة الوطنية لسلامة الغذاء" مع منحها استقلالية إدارية ومالية وصلاحيات تنفيذية. ولم يجد القانون مجالاً للتطبيق بعد، في ظل الخلافات السياسية والإدارية بين الوزارات المعنية. بذلك، حلت مكانه مبادرة أبو فاعور التي حملت عنوان "الحملة الوطنية لسلامة الغذاء" التي مضى بها مُنفرداً وبغطاء سياسي من جنبلاط. على هذا الأساس، يتفاوت تقييم متابعين لملف سلامة الغذاء للحملة بين "المعالجة المنقوصة والاستعراض الإعلامي". ويقول رئيس لجنة الصحة النيابية السابق، الطبيب إسماعيل سكرية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعالجة المنقوصة لملف سلامة الغذاء تعود إلى تنازع الصلاحيات بين الوزارات، وإلى ضعف مصداقية الوزراء والنواب المُتابعين".
ينتقد النائب السابق عمل "حملة سلامة الغذاء"، ويؤكد أنّها "لا يمكن أن تكون بديلاً عن تطبيق كامل قانون سلامة الغذاء، الذي يؤمّن رقابة شاملة على المواد الغذائية من مصدر استيرادها أو إنتاجها في لبنان وصولاً إلى مائدة المواطن". وينقل سكرية عن عدد من مسؤولي وزارة الصحة قولهم إنّ "الحملة عادت إلى نقطة الصفر". وذلك بسبب "معالجة نتائج التلوث الغذائي وليس مسببات هذا التلوث". كما يلفت إلى أنّ "البحث في ملف سلامة الغذاء يجب أن يتطرق إلى أهلية ونزاهة مراقبي وزارة الصحة، لأنّ الملائكة لا يمكن أن تكون قد حلّت فجأة عليهم وبدأت محاضر الضبط وإغلاق المؤسسات من دون كبح الفساد الرقابي. كما يجب البحث في أهلية المختبرات التي تجري الفحوصات على عينات الغذاء ومدى دقتها، والشبهات حولها".
إلى ذلك، أدى تضارب نتائج العينات الغذائية، التي أعلنت وزارة الصحة عن تحليلها في مختبرات معنية، مع عينات فحصتها وزارة الصناعة ومالكو بعض المطاعم المتضررون من حملة سلامة الغذاء في مختبرات أخرى، إلى توسع الخلاف السياسي في ملف سلامة الغذاء. ويعزو أستاذ الهندسة الجرثومية والمهندس الزراعي في الجامعة اليسوعية، أندريه خوري، سبب اختلاف النتائج إلى "عدم توحيد شروط دمغ العينات والفوضى القائمة في قطاع المختبرات في لبنان".
اقــرأ أيضاً
يأتي هذا التحرك بعد نحو عام على إقرار قانون سلامة الغذاء، الذي وضعه مجلس النواب، وينص على تشكيل "اللجنة الوطنية لسلامة الغذاء" مع منحها استقلالية إدارية ومالية وصلاحيات تنفيذية. ولم يجد القانون مجالاً للتطبيق بعد، في ظل الخلافات السياسية والإدارية بين الوزارات المعنية. بذلك، حلت مكانه مبادرة أبو فاعور التي حملت عنوان "الحملة الوطنية لسلامة الغذاء" التي مضى بها مُنفرداً وبغطاء سياسي من جنبلاط. على هذا الأساس، يتفاوت تقييم متابعين لملف سلامة الغذاء للحملة بين "المعالجة المنقوصة والاستعراض الإعلامي". ويقول رئيس لجنة الصحة النيابية السابق، الطبيب إسماعيل سكرية، لـ"العربي الجديد"، إنّ "المعالجة المنقوصة لملف سلامة الغذاء تعود إلى تنازع الصلاحيات بين الوزارات، وإلى ضعف مصداقية الوزراء والنواب المُتابعين".
ينتقد النائب السابق عمل "حملة سلامة الغذاء"، ويؤكد أنّها "لا يمكن أن تكون بديلاً عن تطبيق كامل قانون سلامة الغذاء، الذي يؤمّن رقابة شاملة على المواد الغذائية من مصدر استيرادها أو إنتاجها في لبنان وصولاً إلى مائدة المواطن". وينقل سكرية عن عدد من مسؤولي وزارة الصحة قولهم إنّ "الحملة عادت إلى نقطة الصفر". وذلك بسبب "معالجة نتائج التلوث الغذائي وليس مسببات هذا التلوث". كما يلفت إلى أنّ "البحث في ملف سلامة الغذاء يجب أن يتطرق إلى أهلية ونزاهة مراقبي وزارة الصحة، لأنّ الملائكة لا يمكن أن تكون قد حلّت فجأة عليهم وبدأت محاضر الضبط وإغلاق المؤسسات من دون كبح الفساد الرقابي. كما يجب البحث في أهلية المختبرات التي تجري الفحوصات على عينات الغذاء ومدى دقتها، والشبهات حولها".
إلى ذلك، أدى تضارب نتائج العينات الغذائية، التي أعلنت وزارة الصحة عن تحليلها في مختبرات معنية، مع عينات فحصتها وزارة الصناعة ومالكو بعض المطاعم المتضررون من حملة سلامة الغذاء في مختبرات أخرى، إلى توسع الخلاف السياسي في ملف سلامة الغذاء. ويعزو أستاذ الهندسة الجرثومية والمهندس الزراعي في الجامعة اليسوعية، أندريه خوري، سبب اختلاف النتائج إلى "عدم توحيد شروط دمغ العينات والفوضى القائمة في قطاع المختبرات في لبنان".