أبحرت "سفينة الحب" السورية تقل على متنها أعضاء فرقة مسرحية شتتتْها الحرب وبددت أعضاءها خمس سنوات - عمر الثورة السورية - والتقوا فجأة ليقرروا خوض الرحلة التي خاضها قبلهم عشرات آلاف السوريين نحو أوروبا، والتي تراءت لهم "جنة الله على الأرض". ركب أعضاء الفرقة الستة سفينتهم وقرروا قيادتها وحدهم بعد أن خانهم المهرب، فلا وقت لديهم للانتظار حيث هناك تنتظرهم، كما حلموا، مسارح أوروبا التي سيعيدون فيها ترميم فرقتهم المسرحية وترميم إنسانيتهم التي عبثت فيها البراميل المتفجرة والزنازين والحصار.
"سفينة الحب" مسرحية كتب نصها وأخرجها الفنان السوري نوار بلبل، وأبحر أول عروضها في العاصمة عمّان مساء الأحد الماضي، ليرسم من على ظهر السفينة، والتي ركبها ممثلون يخوضون تجربتهم الأولى، واقع شعب بأكمله تحول بعد خمس سنوات على انطلاق ثورته ضد "أبشع نظام وأعتى دكتاتورية في العالم" من ضحية للنظام إلى ضحية للمجتمع، دون أن يتجاهل تقديم نقد ذاتي للثورة التي تسلق عليها المتسلقون وسرقها المتشددون ورهن الشعب فيها أحلامه للدنكوشوتين، من خلاله استحضار مشاهد من نصوص أرووبية طوعها لتلامس واقع القضية السورية بتفاعلاتها المعقدة.
لكل من ركاب السفينة السوريين مأساته التي سردها دون إغفال لمأساة فلسطينيي مخيم اليرموك التي تقمصها ممثل أردني من أصل فلسطيني، ركب السفينة ليروي من على ظهرها جنون الحصار الذي فرض على المخيم حتى أكل سكانه من جوعهم لحم القطط.
وعلى متن السفينة ركبت ممثلة سورية بقدم مبتورة – بترت قدمها نتيجة القصف قبل أن تلجأ إلى الأردن- ممثلة مأساة الجرحى السوريين، لكنها وفي لحظة الفرح المجنونة بركوب السفينة صوب "جنة الله على الأرض" حولت مأساتها إلى ملهاة، وثقت فيها لانتصارها النفسي على الطيار الذي قصف ساقها بالبرميل المتفجر، حين قصفت طائرته بساقها المبتورة لتسقط الطائرة "والطيار بيبكي وأنا أضحك".
وبعد خمس سنوات، ومن على ظهر السفينة ما تزال قضية المغتصبات السوريات حاضرة تخدش إنسانية العالم، حيث ركبت ممثلة قضت في زنازين النظام 227 يوماً تعرضت خلالها للاغتصاب يومياً، وتجد نفسها بعد أن تحررت من السجون لم تتحرر من المجتمع.
بين ذكريات الموت والإصابة والاغتصاب وجيل الأيتام ومعاناة الفلسطيني أبحرت السفينة لتطوف الشواطئ الأوروبية من اليونان مروراً بإيطاليا فإسبانيا وصولاً إلى ألمانيا ففرنسا. وفي كل شاطئ استحضر ركابها حكاية أوروبية طوعوها لتلامس قضيتهم، باستثناء الشاطئ الإنجليزي الذي مرت فيه السفينة سريعاً.
في إسبانيا، استنهض ركاب "سفينة الحب" حكاية "دون كيشوت" التي لعبها أصغر ركاب السفينة الذي أصبح يتيما بعد موت والده، ليعلق الركاب أحلامهم وأمالهم في دفع الظلم عنهم على فارس أسطوري يحارب طواحين الهواء، في نقد ذاتي للثورة التي علق الشعب السوري في طريقه للحرية أحلامه على العاجزين لتحقيقها.
وعلى الشاطئ الفرنسي، استحضر الممثلون شخصية "طرطوف"، المنافق المتستر بستار الدين للكاتب المسرحي موليير، ليعرضوا واقعاً بشعاً لمعاناة المغتصبات السوريات اللواتي هربن من ظلم النظام ليقعن في ظلم المجتمع. و"طرطوف" على السفينة منافق شهواني خلف ستار الدين الذي يتستر فيه يحاول استدراج المغتصبة لإشباع غرائزه، لكنه وحين يكشف أمره ينظر ركاب السفينة إلى المغتصبة نظرة شك وريبة لتصرخ "227 يوم بالمعتقل اغتصبوني الشبحية... اغتصابي واغتصاب كل سورية تاج على راسكم".
على الشاطئ الألماني، اختتمت "سفينة الحب" رحلتها باستحضار الدكتور "فاوست" لغوته، هناك وخلال سعى "فاوست" لاكتشاف جوهر الحياة الحقيقي يستحضر الشيطان "مفستوفيليس"، ليبرم معه عقداً يقضي بأن يقوم بخدمته طول حياته شريطة أن يستولي على روحه بعد الممات بعد أن يبلغ " فاوست" قمة السعادة. وفي اللحظة التي يمد فيها "فاوست" ليوقع على العقد يحدث أسوأ ما قد يتعرض له اللاجئون في عرض البحر، تهب عاصفة تغرق السفينة يموت من على متنها، مخلفين وراءهم دليلاً واحداً على موتهم دون بلوغ حلمهم، مقتنياتهم التي طفت على السطح بعد أن استقروا هم في قعر البحر.