يتقدّم أحد الممثلين باسماً مليئاً بالصخب والحيوية معلناً بدء الحكاية، إنها خدعته ليوقعنا في شراك عرض "ستي العرجا"، لتأتي الحكاية بعد ذلك شذرة شذرة فتشكل مستنقعاً من الألم، تطفو على وجهه ابتسامة أمل وأسئلة كثيرة.
حكاية اللجوء والحرب، فصول مختلفة لحكاية واحدة بدأت سنة 1948 ولم تنته حتى يومنا هذا، بل نحن نقرأ ذروتها اليوم ربما، يقول أصحاب العرض الذي أخرجه هاشم عدنان: "إنها قصص الأبناء الثمانية للجدة العرجاء الذين ورثوا لعنة الحكاية التي لم تنته بعد".
ممثلتان وستة ممثلين (حسام عبد القادر، ركان خليل، سلمى رشدان، كريستوفر إبراهيم، محمود رشدان، هشام أسعد، وسام شهاب، يمنى مروان) على الخشبة الصغيرة لمسرح "ميترو المدينة" في بيروت، بعضهم جرب صعود الخشبة من قبل، سبعة منهم فلسطينيون وواحد سوري، ولكنهم جميعاً هواة، ولاجئون، حكوا قصصهم المؤلمة بشيء من السخرية ما زاد جرعة الألم فيها.
ستي العرجا التي خرجت من يافا واللد وبانياس الجولان دون أن تغلق باب الدار خلفها، فهي عرجاء والباب ثقيل صعب المراس وغيبتها لن تطول (كما ظنّت)، ها هم أبناؤها يتركون أبواب دورهم مشرعة أيضاً في اليرموك والرمل الشمالي وشاتيلا والبرج وووو... ولكن هل يكفي أن نحكي ألمنا لنصنع عرضاً مسرحياً؟
تقول لميا أبي عازر من "فرقة زقاق" المسرحية التي قامت بهذا المشروع بدعم من برنامج "صِلات: روابط من خلال الفنون": "العرض كما هو الآن ليس تحفة فنية بالتأكيد، وليس الهدف منه أن يكون كذلك، ولكن أهميته تكمن فيما قدمه هؤلاء الشباب الذين كانوا يأتون نهاية كل أسبوع منهكين من عملهم اليومي الطويل خلال الأسبوع، بعضهم كان يأتي من صور (جنوب لبنان) ليسكنوا المسرح، ليمتلكوا القدرة على البوح بقصصهم، ليعلنوا عن أنفسهم".
الممثلون كانوا مليئين بالطاقة رغم هناتهم، ولو أسعفهم الوقت بمزيد من التمرين لخرج العرض بشكل أفضل من حيث الأداء بالتأكيد.
تجارب العمل مع ممثلين هواة باتت كثيرة، ومن يتتبع تأثيرها عليهم يجد أن معظمهم فكروا في لحظة أو ما زالوا يفكرون بالتحول إلى العمل المسرحي، ولكن الأسباب السابقة تمنعهم، فإذا جمعنا الإحباط الناشئ عن ذلك مع الوضع المزري للاجئين (على اختلاف مواطنهم الأصلية) مع غصات الحياة وعقباتها ستكون النتيجة مقلقة فعلاً. ربما أصبح لزاماً على من يهمه الأمر أن يفكر بالمسرح كضرورة وليس كزائدة دودية أو مجرد ساحة لبعض المجانين الذين مازالوا يدافعون عنه حتى الآن.