"ستوكات" اليمن ... ملابس غير مستعملة تنقذ الفقراء في العيد

15 يونيو 2018
إقبال على شراء الثياب الرخيصة رغم عيوبها (فرانس برس)
+ الخط -

دفع سوء الأوضاع المعيشية كثيراً من مواطني اليمن إلى شراء ملابس "الستوكات" لهم ولأولادهم بسبب أسعارها المتهاودة، رغم العيوب التصنيعية التي تعتريها. فهي ملابس غير مستعملة تنتمي إلى علامات تجارية عالمية، وتشكل فرصة ملائمة في بلد يعاني الأمرّين من الحرب والحصار.

محمد يحيى، طالب في جامعة تعز، ينتقد أسعار الملابس في مدينته جنوب غرب اليمن، بعدما أصبحت "جنونية"، حيث ارتفع ثمن بنطلون الجينز من 3 آلاف ريال العام الماضي إلى 8 آلاف و500 ريال هذا العام، ما جعل كثيراً من الأسر تعزف عن شراء ملابس للعيد.

يحيى قال لـ"العربي الجديد": "بعد جولة في عشرات محال الملابس الجاهزة، قررت شراء ثياب من معرض جديد في المدينة يبيع ملابس ستوكات بعرض مخفض، فأي قطعة تباع بألف ريال، والمعرض يشهد إقبالاً كبيراً".

المدن اليمنية شهدت افتتاح معارض ومولات خاصة تبيع ملابس "ستوكات"، ويقول التجار إنها ملابس جديدة لماركات أوروبية، لكن في كل قطعة قد تجد عيباً بسيطاً يكاد لا يُذكر، ويوضحون أن ملابس "ستوكات" تختلف عن الملابس المستعملة التي انتشرت أيضاً بكثرة خلال سنوات الحرب.
ويعيش اليمن حرباً مستمرة منذ 3 سنوات بدأت نهاية عام 2014 عند اجتياح جماعة المتمردين الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء وانقلابهم على السلطة الشرعية، قبل أن يتفاقم الوضع بتدخل عسكري لتحالف تقوده السعودية دعماً للشرعية.

الحرب دمّرت مصادر الدخل والقدرة الشرائية لليمنيين، وقذفت الملايين إلى مستنقع الفقر ورصيف البطالة، وفاقم توقف رواتب موظفي الدولة الوضع المعيشي للناس الذين استنفدوا مدّخراتهم وفقدوا القدرة على مواجهة ارتفاع الأسعار.

خبراء اقتصاديون يمنيون يؤكدون أن الوضع الاقتصادي المتردّي انعكس على الجوانب المعيشية للناس، وتسبب في تدني القدرة الشرائية. ولذا، يعيش المواطنون أيام العيد بلا مظاهر فرح ومن دون ثياب جديدة.

وتعجز آلاف الأسر اليمنية عن شراء ملابس جديدة في العيد لأطفالها وتعتمد على ملابس الستوكات أو مساعدات جمعيات ومؤسسات خيرية توزّع كسوة العيد، أو يمر العيد عليها حزيناً باهتاً بلا ثياب عيد ولا حلويات، فيما تلجأ عائلات إلى شراء ملابس قديمة من أسواق "الحراج".

الحرب أعادت ترتيب أولويات اليمنيين في عمليات الشراء والتسوّق بمناسبة العيد، ولم يعد التسوق وشراء الملابس أولوية، كما تغيب الحلويات والمكسرات عن قائمة متطلبات العيد.
محمد السلامي العامل في إحدى الجهات الحكومية في صنعاء، قال إن الظروف الاقتصادية التي يعانيها هذا البلد غيّرت أولويات اليمنيين.
وقال لـ" العربي الجديد": "استلمنا نصف راتب قبيل العيد، وهو لا يكفي لشراء ملابس جديدة لواحد من أطفالي الثلاثة. ولذا كان الخيار الأفضل شراء الملابس من معارض ستوكات الملابس التي انتشرت أخيراً بصورة لافتة، وبسعر 1500 ريال لأي قطعة".

ويعيش نحو نصف سكان اليمن البالغ تعدادهم حوالي 26.8 مليون نسمة في مناطق متضررة مباشرة من الصراع، فيما يحتاج أكثر من 21.1 مليون يمني (80% من السكان) إلى مساعدات إنسانية، وقد اضطر 2.8 مليون يمني إلى النزوح قسراً داخل البلاد.

الأمم المتحدة تقول إن اليمن الغارق في الحرب والأزمات، يعاني واحدة من أسوأ أزمات الجوع في العالم، وإن نحو 17 مليوناً من سكانه يفتقرون إلى الغذاء الكافي، ناهيك بأن 3 ملايين طفل، على الأقل، يعانون سوء التغذية ويواجهون "خطراً كبيراً".

تداعيات الحرب والأزمات المعيشية لا تقتصر فقط على المواطنين الذين فقدوا مصادر دخلهم، وعلى الموظفين الذين توقفت رواتبهم. فالشركات التجارية والتسويقية عانت أيضاً هي الأخرى من ركود في نشاطها نتيجة الحرب والصراعات، مقارنة بالأعوام السابقة. فقد تراجعت مبيعات مختلف السلع الكمالية، وفي طليعتها الملابس بشكل ملحوظ، نظراً إلى تركيز المستهلكين اهتمامهم على شراء احتياجاتهم الضرورية كأولوية حياتية.

تجار ملابس جاهزة في العاصمة صنعاء أفادوا بأن "ارتفاع أسعار الملابس يرجع إلى الضرائب الكثيرة التي تفرضها سلطات الحوثيين على التجار، إضافة إلى الأتاوات التي تفرض عند حواجز التفتيش الأمنية على الطرق بين المحافظات المختلفة".

التاجر أحمد غيلان قال إن تدني القدرة الشرائية للمواطنين أفضى إلى إحجامهم عن شراء الملابس، وإنهم يتجهون إلى معارض لثياب الستوكات، أو إلى معارض الملابس المستعملة.

تراجع معدلات الدخل في اليمن أدى إلى انهيار القدرة الشرائية للمستهلكين باتجاه مستويات متدنية خلال أعوام الحرب، حيث وصلت نسبة تراجع القدرة الشرائية للمستهلكين إلى 80%، مقارنة بالأعوام السابقة، وسط تأثير كبير على النشاط الاقتصادي الذي يديره القطاع الخاص في البلاد، بحسب دراسات اقتصادية.
وذكرت مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي للدراسات في اليمن، أن القدرة الشرائية في مختلف أرجاء البلاد تراجعت إلى أدنى مستوياتها، فيما ارتفعت الأسعار بنسبة وصلت إلى 500%، مسجلة أعنف موجة تضخم، وذلك لأسباب متعددة، من أبرزها تدهور سعر الريال اليمني، والازدواج الضريبي، إضافة إلى فرض أتاوات على السلع المستوردة والمحلية والمهربة على السواء.

المؤسسة أوضحت، في دراسة حديثة، أن الأسعار في اليمن تفاوتت نسبة الزيادة فيها، فهناك ما بلغت نسبة ارتفاعه 5 أضعاف، من قبيل سلع المواد الأساسية، كالغذاء والدواء.

أما أسباب هذه الزيادة الكبيرة فترجعها المؤسسة إلى الازدواج الجمركي وفرض السلطات المحلية في جميع أنحاء اليمن الأتاوات التي تزيد في كل فترة على السلع الوطنية والمستوردة وحتى المهربة.

وبيّنت أن القدرة الشرائية تراجعت إلى أدنى مستوياتها في الفترة الأخيرة، بسبب فصل الكثير من موظفي القطاعين العام والخاص، ما أدى، بطبيعة الحال، إلى وصول نسب البطالة والفقر إلى 85%.

أسواق عدن

في العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد)، حيث مقر الحكومة، تسبب ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية، بركود حركة الأسواق خلال شهر رمضان المبارك، وبحرمان آلاف الأسر من شراء ملابس العيد لأطفالها.

أستاذ الاقتصاد في جامعة عدن، يوسف سعيد، قال إن انخفاض الطلب على الاستهلاك في شكل عام، يشمل جميع المدن اليمنية، وليس حالة مميزة لمدينة عدن فحسب، فضلاً عن أن تراجع الطلب والزحام على التسوّق يرجع غالباً إلى تدني القدرة الشرائية للمواطنين بشكل عام.

وقال سعيد لـ"العربي الجديد " إن "الناس في عدن لم تعد تمتلك السيولة، فدخل الأسرة التهمه التضخم المتفاقم، بخاصة أن معظم سكان عدن هم من الموظفين وأصحاب الدخل المحدود، فيما يشير خلو الأسواق إلى أن المستوى المعيشي للمواطنين في عدن تدهور على نحو غير مسبوق، مقابل ارتفاع مستويات الفقر. والمفارقة، برأيه، أن أسعار الملابس ارتفعت بنسب خيالية".
المساهمون