بعد الملحمة الاستثنائية Avengers: Endgame، التي أنجزها أنتوني وجو روسّو قبل أشهر قليلة، ووصول شركة "مارفل" إلى ذروة نجاحها، حدث ترقّبٌ ونشأت تحدّيات كبيرة أمام فيلمها الـ23 بعنوان Spider-Man: Far From Home لجو واتس، تمثّلت كلّها بتساؤلات أساسية: كيف سيمدّ صنّاع الفيلم الجديد خطّ الأحداث؟ كيف سيختمون المرحلة الثالثة من عالمهم، قبل الانتقال إلى مرحلة أخرى بسماتٍ وطبيعة جديدة؟ هل سيميل الفيلم إلى السوداوية والدرامية اللتين غلبتا "نهاية اللعبة"، أم إلى الصبغة الكوميدية التي تغلف سلسلة "الرجل العنكبوت" عادة؟
محبطٌ أن الارتباك الشديد غلّف الإجابات عن هذه الأسئلة كلّها، وهذا كلّه سابقٌ لفشل المفاوضات بين شركتي "سوني" و"ديزني" مؤخّرًا، ما يعني أنّ هناك إمكانية لـ"غياب" شخصية "الرجل العنكبوت"، أقلّه في الفترة الطويلة المقبلة.
الميل المبدئي الواضح والأساسي هو أنْ يكون الفيلم كوميديًا. بناؤه العام يرتكز على رحلة مدرسية لمُراهقين إلى أوروبا. أحد هؤلاء يحاول إخبار فتاة أنه مُعجب بها، كالمعاناة المعتادة لبيتر باركر بين حياته الشخصية ومسؤولياته بطلًا خارقًا. هذا التبسيط في الحكاية، مع جنوحٍ نحو الكوميديا، ناجحان في Homecoming، الذي أخرجه واتس نفسه عام 2017، لكنهما في Far from Home، ومع ازدياد ترابط أفلام MCU بعضها ببعض، كـ"امتدادٍ متكامل" كما أرادت الشركة، بات من الصعب للغاية استساغة مسألة أنّه، بعد التجربة كلّها التي مرّ بها باركر، والخسارة الفادحة التي مُني بها بوفاة والده الروحي توني ستارك، ستكون هذه طبيعة شخصيته. صحيح أنّ الإشارة إلى معاناته ظهرت في أكثر من مشهد، لكنها شديدة السطحية، ولا تتجاوز كونها إشارة، وليست النقطة المحورية للشخصية.
بعيدًا عن MCU، وبشكل منفرد تمامًا، هذا فيلم ضعيف. مشكلته الأساسية أنّه غارق بأحداثٍ ملفّقة وغير ممتعة، ثم يحاول تفسيرها بـ"التواءة درامية". هذه نسخة باهتة ومنعدمة الأهمية من نِكْ فيوري (صامويل أل. جاكسون)، تُفسَّر في مشهد لاحق لـ"التترات" بـ"تويست" غير مهمّ، يُفيد بأنّه لم يكن فيوري. ومنذ اللحظة الأولى، يُعرف أنّ ميستريو (جاك غيلّينهال) هو الخصم الحقيقي للرجل العنكبوت، لكن الفيلم يظلّ ساعة كاملة (أي نصف أحداثه) قبل كشف هذا الأمر، في مشهد شديد السوء، ربما يكون أسوأ مشهد في تاريخ أفلام "مارفل" كاملة. في تلك الساعة الأولى، هناك مَشاهد حركة ركيكة، مع خصوم هلاميين (حرفيًا)، ومعارك غير ممتعة لا تُثير اهتمامًا، ثم يُفسَّر هذا كلّه بأنه "خداع"، كأنّ الفيلم يعتذر عن ساعة مملّة بالتواء درامي متوقّع، يعرفه الجميع منذ البداية. كيف اعتقد صنّاع الفيلم أنّ هذا البناء ناجح؟
إلى ذلك، فإنّ منطق الفيلم نفسه هشّ للغاية، تحديدًا بالنسبة إلى الخصم الشرير: لماذا لم تُبْنَ شخصية كوينتن بِكْ/ ميستريو بصورة أفضل وباهتمام حقيقي، بدلاً من تفسير كلّ شيء في مشهد الحانة الكارثي؟ ما هي خطته أصلًا، أو مظاهر اضطرابه النفسي التي أُشير إليها؟ هل يريد أن يُنظَر إليه كبطل خارق؟ وبعد هذا: ماذا يحدث؟ لماذا يساعده الآخرون؟ هل يُفترض بنا أن نقتنع أنّ هذا كلّه حدث بسبب رغبته في نظّارة إيديث؟ إذا حدث اقتناع بهذا، مع أنّ هذا لم يُمهَّد له جيدًا أبدًا، فهل يمكن الاقتناع بأنّ ثقة باركر، وتنازله لبِكْ عن النظارة التي تركها له ستارك (روبرت داوني جونيور)، حدثا بتلك البساطة، في مشهد حواري بدقيقتين؟
هذا أضعف سيناريو في الأفلام الـ23 لـ"مارفل"، ما يُثير الغرابة، بعد نضج اكتسبه صنّاع العالم السينمائي هذا من الأفلام السابقة، أنْ يكتبوا سيناريو مليئًا بكمّ هائل من الفجوات وعدم الترابط.
أمران فقط أنقذا الفيلم، وجعلاه قابلًا للمُشاهدة. الأول، أداء توم هولاند لشخصية بيتر باركر، فبات من دون شك أفضل "رجل عنكبوت" ظهر على شاشة السينما. أداؤه يُثير تعاطفًا مع الشخصية، وله مصداقية في إظهار أنّه مراهق لا يريد أكثر من تمضية عطلة صيفية مع أصدقائه، وأن المسؤولية الملقاة عليه في إنقاذ البشر ثقيلة ومزعجة. ساعد على هذا "الكيمياء" الحاصلة بينه وبين الممثلة زيندايا، النسخة المختلفة والقريبة إلى القلب لماري جين.
الأمر الثاني يكمن في أنّ الفيلم يتحسّن عمومًا في نصفه الثاني. تجربته البصرية وطبيعة المعركة أفضل. هناك مشهد عظيم (4 دقائق) لبيتر باركر وهو تائه في دوامة ميستريو، وعاجز عن معرفة الحقيقة من الخداع. المميز في المشهد أنّ المتفرّج يغرق هو الآخر في تلك الدوامة، ويتوحّد تمامًا مع البطل، وهذا أثمن ما في فيلمٍ محبِط.