لم يكتفِ الجزائريون بالتعبير عن رأيهم الحرّ في الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد، بل كشفوا، خصوصاً الشباب، عن حسهم المجتمعي وطاقاتهم الفنية
في الجزائر، تحرّك الفنّ والإبداع مع الحراك الشعبي الذي تشهده البلاد منذ 22 فبراير/ شباط الماضي، إذ فتحت الاحتجاجات مجالاً لحرية التعبير، فخرج كثيرون للتعبير عن مطالبهم بطرقهم الخاصة، إما بالريشة والألوان أو عن طريق تنظيف الشوارع وتزيينها وغرس الأشجار أو تكثيف الفعل الخيري التضامني، ما بعث برسائل قوية حول مركزية الشباب في التحول المجتمعي.
وجد عدد من الشباب في العاصمة الجزائرية في ممر ضيق قبالة الجامعة المركزية مساحة مناسبة لتفجير طاقاتهم الفنية، وتغيير وجه المكان باتجاه الجمال، عبر الرسم على الجدران. وبادر الشباب، ومعظمهم من طلاب الجامعات، إلى الاشتراك في جمع بعض المال لأجل شراء أدوات الرسم على جدران هذا الممر وغيره.
يقول صادق بن علي، الطالب في كلية الفنون الجميلة، لـ"العربي الجديد": "كما تشاهدون، نحن نحاول أن نغير وجه هذه الممرات المتسخة، ونبث روحاً فنية فيها، ونعبر عن رغبتنا كشباب في تفجير طاقتنا الإيجابية في أشياء ذات قيمة مفيدة للمجتمع". يضيف: "نسعى إلى تغيير الصورة النمطية عن شباب الجيل الحالي كشباب مستهترين ومغيّبين عن الوعي الفني والجماعي. الحراك أثبت أنّ ذلك ليس صحيحاً، ونحن من خلال جهدنا الفني نثبّت ذلك أيضاً".
التحقت حورية بن قنان بالمجموعة التي تتكفل برسم جدران السلّم المقابل للجامعة المركزية. تؤكد أنّها هي وعدد من أصدقائها فتحوا صندوق تبرع شعبي لجمع مبلغ يسمح بشراء الطلاء والألوان: "نحن من سيتولى العمل بأنفسنا، وأنا سعيدة لأنّنا ندخل البهجة على الناس، خصوصاً أنّهم أثنوا على عملنا وشجعونا".
في السياق نفسه، نشط شباب في مدينة ميلة، شرقي العاصمة الجزائرية، بتزيين الجدران في عدة شوارع، تعبيراً منهم عن مناصرة مطالب الشعب في التغيير، والتأكيد على قدرة الشباب الجزائريين في الإبداع وإمكانية التحول إلى قوة إيجابية. يقول محمد صبايحي لـ"العربي الجديد"، إنّ الرسم هوايته منذ الصغر، وهو أيضاً "وسيلة للتعبير عن إسهام الشباب في التغيير نحو الأفضل". يضيف أنّه، رفقة كثيرين، يحاولون تزيين المحيط، خصوصاً في الأحياء السكنية الجديدة التي تشهد إهمالاً منذ فترة طويلة.
وتجمع الشباب من تلاميذ الثانويات والمدارس في رسم عدة أشكال على الجدران، خصوصاً أنّها مدينة متميزة تتوفر على إمكانات طبيعية، أهمها الأراضي والجبال وفيها أكبر سد في الجزائر، وهي مدينة عريقة تضم آثار عدة حضارات مرت عليها. ويعتبر الشاب نور الدين بن عبد الرحمن، وهو طالب حقوق، في حديثه إلى "العربي الجديد"، أنّ إعادة تنظيف وتزيين المدينة، عملية من شأنها أن تجعلها في مصاف المدن السياحية بامتياز، موضحاً أنّها شهدت إهمالاً منقطع النظير، وتحتاج إلى سواعد الشباب الذين انتفضوا من أجل التغيير ورفع شعارات محاربة الفساد بمختلف أوجهه. كذلك، عكف الناشط البيئي عز الدين بن سليمان، رفقة العديد من الناشطين في ميلة، على تزيين المحيط بغرس الأشجار والورود، بهدف إعطاء صورة جميلة عن المنطقة.
وفي حيّ تسالة المرجة، بمحلة بوفاريك، غربي العاصمة الجزائرية، غرس أكثر من 24 شاباً أشجار الزيتون ودوالي العنب، للتعبير عن "محاولة استعادة الأراضي المهملة، وجعلها أراضي خضراء"، بحسب علي مدان، الذي يقول لـ"العربي الجديد": "حصل الشباب على شتلات الزيتون في إطار عمل خيري، وجرى غرس أكثر من 190 شجرة في المنطقة، فضلاً عن أزهار الزينة".
ومنذ 22 فبراير/ شباط الماضي "ابتكر الجزائريون طرقاً مختلفة في الإبداع والتعبير عن طموحاتهم في التغيير المنشود" بحسب الأستاذ الجامعي جمال زوقار. وتقول الطالبة في كلية العلوم الاقتصادية بجامعة "دالي إبراهيم" في العاصمة الجزائرية، إيمان خنيش، إنّ "الطاقة الشبابية في الجامعات بإمكانها أن تعطي للجزائر صورة أفضل وأجمل وأنقى"، موضحة أنّها أقدمت على تزيين المبيت الجامعي الخاص بالبنات، وتنظيفه بمشاركة أكثر من 60 طالبة، في إطار الحراك الشعبي.
وثمّن كثير من المواطنين وسكان الأحياء هذه المبادرات الشبابية الرائدة، واعتبروا أنّها تدخل أيضاً ضمن منجزات الحراك الشعبي الذي، وبالإضافة إلى المكاسب السياسية وهامش الحرية اللذين وفرهما للشعب، فقد وضع كثيراً من الفئات أمام مسؤولياتها المجتمعية، ومن بينهم الشباب. يعلق الإعلامي محمد لخضاري متحدثاً لـ"العربي الجديد"، أنّها "مظاهر جميلة ومفرحة، تعيد الأمل في إمكانية إحداث تحول مجتمعي حقيقي. أعتقد أنّ الشباب يتخذون الخطوات الصحيحة في الوقت الصحيح".