"زول بيئي... بس"

23 ديسمبر 2017
"قطعنا كم شجرة؟.. وزرعنا كم؟" (أشرف شاذلي/ فرانس برس)
+ الخط -

"زول" مفردة ترتبط وثيقاً بالإنسان السوداني، يُنادى بها فيستجيب. وهي لغة تعني الشخص، والكريم الجواد، والخفيف الحركة، والداهية، وربما نافذ الرسائل، في حين أنّ "الزولة" هي المرأة الجميلة.

أمّا "زول بيئي.. بس" فهو توقيع يعتمده محلل بيئي مجهول الهوية، صاحب وعي وكمّ كبير من المعلومات التي يوثّقها في تسجيلات ينشرها عبر تطبيق "واتساب"، الأمر الذي يشير إلى متابعته الدقيقة للشأن البيئي في السودان.

في كلّ تسجيل، يردّ "زول بيئي.. بس" على تصريحات المسؤولين، ويفتح حوارات جادة حول قضايا بيئية. في البداية، حاول التعبير عن ذاته، بيد أنّ تسجيلاته بما حقّقته من انتشار أسهمت في زيادة دائرة الوعي. فقد أفلح في اختيار اللغة الجاذبة، مازجاً ما بين اللغة العلمية رفيعة المستوى والمفردات الدارجة والساخرة أحياناً.

"أخي الكريم.. لا تحدّثني عن التنمية المستدامة وأنت لا تُلقي بالاً لأحد أهم أركانها الثلاثة.. المحافظة على البيئة. لا تقل لي نمو اقتصادي وعدالة اجتماعية بس.. عشان لو كانت التنمية دي ماعون ما يستقيم فوق حجرين.. صح؟ وين الحجر الثالث يا زول؟ الدستور نفسه بتكلم في المادة 13 عن الحق في بيئة مناسبة لمعيشة الإنسان والحيوان". كان هذا ردّه على حديث طويل ألقاه أحد المشاركين في مؤتمر بون الأخير، والذي راح يتكلّم عن كلّ شيء باستثناء أثر المؤتمر على السياسات البيئية في السودان أو إسهام الوفد السوداني في جلسات المؤتمر.

وواصل ردّه: "يا أخي ألم تسمع مايكل زيمرمان قال شنو؟ ده فيلسوف بيئي بقول إنّ أيّ منظومة حية فوق الأرض تتدهور ما لم نعمل نحن البشر على حمايتها.. وفي الغالب نحن من نتسبب في تدهورها.. والعالم كله إلى تدهور.. إلا إذا حسبناها بحسابات دخل وخرج. وتعالوا نحسبها.. قطعنا كم شجرة؟.. وزرعنا كم؟ أنتجنا كم من الطاقة؟ وأهدرنا كم؟ استخرجنا كم من باطن الأرض؟ وأبقينا على كم؟ وكيف تمكّننا من توظيف ما أخذناه، حتى لا نأخذ مزيداً من رصيد أولادنا وأحفادنا؟ يا زول الحاجات في بطن الأرض دي ملك للأجيال القادمة. وبعدما نجري الحسابات دي ممكن نتكلم عن المستقبل المستدام.. صح؟".

و"زول بيئي.. بس" جعل مفردات عصية على الفهم في متناول فهم الجميع، وتمكّن من توصيل معان كبيرة بشكل مبسّط. ولعلّه يدرك أنّ الرسالة الناجحة هي بسيطة وعملية واقتصادية وفعّالة وقابلة للاستنساخ، مثلما يقول أهل الاختصاص في مجال التواصل.
في إحدى جلساتنا، اكتشفنا أنّ آخر التسجيلات تضمّنت موضوعات، بل بعض مفردات جلستنا السابقة. فأيقنّا أن المتخفّي وراء اسم "زول بيئي.. بس" يجلس بيننا، وصار كلّ منا ينظر في عيون الآخرين، لكنّنا لم نعرفه.

*متخصص في شؤون البيئة

دلالات
المساهمون