29 سبتمبر 2017
"زهرة حلب" واستسهال الصعب
مشكلة المُخرج التونسي رضا الباهي، في أفلامه، وجديدها "زهرة حلب"، أنه يتنطح لموضوعاتٍ كبيرةٍ بقدراتٍ فكريةٍ هشّة، يستمدها دائماً من مانشيتات الصحف ووسائل الإعلام، من غير تعمق في البحث، ولا تدقيق في صحة تلك العناوين أو كذبها. هكذا أتخيل رضا الباهي يجلس أمام شاشات التلفزات، أو يقرأ عناوين الصحف، وهو عابر من شارع إلى شارع، فيرى أخباراً عن أحداثٍ كبرى، يفيض منها الدم، ويسقط فيها الأبرياء، ولا يكلف نفسه عناء التفكير في ملابسات تلك الأخبار، فيقرّر صناعة فيلم سينمائي، يتضمن ما وصل إليه من صور، يعتقد جازماً أنه سيكون فيلماً عظيماً، وسوف يتلقفه المشاهدون بدهشةٍ، فهو يفترض جهل الجمهور بما يجري من تعقيداتٍ سياسيةٍ، على صلة بموضوع الفيلم، أو يتوهّم أن الجمهور يتعامل مع الأحداث الكبرى تعامله السطحي هو نفسه مع تلك الأحداث. ويضيف رضا الباهي إلى أفكاره السطحية والتسطيحية ما يعتقد أنه سيلقى ترحيباً في الغرب المهووس به الباهي منذ أفلامه الأولى. هكذا فعل المخرج التونسي في "السنونو لا تموت في القدس"، فيلمه المخزي عن الانتفاضة الفلسطينية الأولى، والذي أطلقه عام 1994 في أيام قرطاج السينمائية في ذلك العام، وواجه استنكاراً فلسطينياً وتونسياً شديدين.
عاد رضا الباهي، أخيراً، في فيلم "زهرة حلب" الذي افتُتحت به أيام قرطاج السينمائية في دورتها الجديدة، والذي يتناول فيه موضوع الجهاديين التونسيين في سورية، عبر حكاية شاب تونسي يلتحق بجبهة النصرة للقتال في سورية. ولو افترضنا حسن النيات والجهل الواضح لدى المخرج بما يجري في سورية من تعقيداتٍ، فرضتها حروب الآخرين على الأرض السورية، فلن يكون في وسعنا قبول الصور النمطية المستقاة من إعلامٍ جاهلٍ، التي قدّمها رضا الباهي عن شخصيات فيلمه، في إطار حكايتها في تونس، قبل الانخراط في الحكاية التي تدور أحداثها في سورية في النصف الثاني من الفيلم. إذ ينتمي الشاب بطل الفيلم إلى عائلة من الطبقة المتوسطة التونسية، فأمه المطلقة تعمل ممرضة طوارئ وأبوه فنان تشكيلي، والشاب يعيش مع أمه، ولا يرى أباه إلا لماماً، فالأب غارقٌ في فردانيته. ولكي يقنعنا المخرج بالمحرّكات وراء اندفاع الشاب نحو الجماعات الأصولية في تونس، لم يتوقف عن إظهار الأب مدمناً على الكحول، بحيث كانت قوارير الخمرة ماثلةً في كل لقطة إلى جانب سرير الأب الذي يبدي عنفاً تجاه الفتى، ولا يأبه له في وقتٍ تكون الأم مشغولة بعملها.
لم يقدّم لنا الباهي صورة حقيقية عن المجتمع التونسي، وبقي أسير التنميط والمبالغة في إظهار التمدد الأصولي في تونس، فلا يقدم للمشاهد غير كليشيهات لا قيمة لها، عن ممارسات الأصوليين في تونس، في تقطيع سريع ومتعجل، وتمثيل ثقيل، لا علاقة له بالأداء السينمائي. حتى الممثلة التونسية القديرة، هند صبري، ظهرت ضعيفة وركيكة الأداء، وكأنها لم تمتلك أي تجربة سابقة في التمثيل، عدا عن أداء الشاب، باديس الباهي، وهو نجل المخرج، لا علاقة له بالتمثيل البتة، وبدا دوره منفراً، وحُشر في دوره، على الأرجح، لأسباب إنتاجية.
الجزء الثاني من الفيلم الذي تدور أحداثه في سورية أقرب إلى أفلام التشويق التافهة، فلا إحساس ولا معلومات عما يجري في سورية، غير عمليات القتل والتفجيرات واغتصاب أصوليين إسلاميين الأم التي ذهبت للبحث عن ابنها الجهادي، بطريقة فجّةٍ، لا علاقة لها بأي تطور درامي. وتبلغ المسخرة ذروتها، حين تقتل الأم مغتصبيها جميعاً في مشهدٍ هوليوودي مضحك، وتخرج مرتديةً لباساً عسكرياً، وملثمة، ليقتلها القناص في جبهة النصرة، وهو ابنها لا غيره، ليكتشف بعد أن يزيح لثامها أنها أمه، لينتهي الفيلم في مشهدٍ أراده المخرج تراجيدياً، لكنه لم يثر غير القهقهة، سخريةً من سذاجته.
عاد رضا الباهي، أخيراً، في فيلم "زهرة حلب" الذي افتُتحت به أيام قرطاج السينمائية في دورتها الجديدة، والذي يتناول فيه موضوع الجهاديين التونسيين في سورية، عبر حكاية شاب تونسي يلتحق بجبهة النصرة للقتال في سورية. ولو افترضنا حسن النيات والجهل الواضح لدى المخرج بما يجري في سورية من تعقيداتٍ، فرضتها حروب الآخرين على الأرض السورية، فلن يكون في وسعنا قبول الصور النمطية المستقاة من إعلامٍ جاهلٍ، التي قدّمها رضا الباهي عن شخصيات فيلمه، في إطار حكايتها في تونس، قبل الانخراط في الحكاية التي تدور أحداثها في سورية في النصف الثاني من الفيلم. إذ ينتمي الشاب بطل الفيلم إلى عائلة من الطبقة المتوسطة التونسية، فأمه المطلقة تعمل ممرضة طوارئ وأبوه فنان تشكيلي، والشاب يعيش مع أمه، ولا يرى أباه إلا لماماً، فالأب غارقٌ في فردانيته. ولكي يقنعنا المخرج بالمحرّكات وراء اندفاع الشاب نحو الجماعات الأصولية في تونس، لم يتوقف عن إظهار الأب مدمناً على الكحول، بحيث كانت قوارير الخمرة ماثلةً في كل لقطة إلى جانب سرير الأب الذي يبدي عنفاً تجاه الفتى، ولا يأبه له في وقتٍ تكون الأم مشغولة بعملها.
لم يقدّم لنا الباهي صورة حقيقية عن المجتمع التونسي، وبقي أسير التنميط والمبالغة في إظهار التمدد الأصولي في تونس، فلا يقدم للمشاهد غير كليشيهات لا قيمة لها، عن ممارسات الأصوليين في تونس، في تقطيع سريع ومتعجل، وتمثيل ثقيل، لا علاقة له بالأداء السينمائي. حتى الممثلة التونسية القديرة، هند صبري، ظهرت ضعيفة وركيكة الأداء، وكأنها لم تمتلك أي تجربة سابقة في التمثيل، عدا عن أداء الشاب، باديس الباهي، وهو نجل المخرج، لا علاقة له بالتمثيل البتة، وبدا دوره منفراً، وحُشر في دوره، على الأرجح، لأسباب إنتاجية.
الجزء الثاني من الفيلم الذي تدور أحداثه في سورية أقرب إلى أفلام التشويق التافهة، فلا إحساس ولا معلومات عما يجري في سورية، غير عمليات القتل والتفجيرات واغتصاب أصوليين إسلاميين الأم التي ذهبت للبحث عن ابنها الجهادي، بطريقة فجّةٍ، لا علاقة لها بأي تطور درامي. وتبلغ المسخرة ذروتها، حين تقتل الأم مغتصبيها جميعاً في مشهدٍ هوليوودي مضحك، وتخرج مرتديةً لباساً عسكرياً، وملثمة، ليقتلها القناص في جبهة النصرة، وهو ابنها لا غيره، ليكتشف بعد أن يزيح لثامها أنها أمه، لينتهي الفيلم في مشهدٍ أراده المخرج تراجيدياً، لكنه لم يثر غير القهقهة، سخريةً من سذاجته.